
في مثل هذا اليوم عبر التاريخ:
يحمل هذا اليوم، ٢٨ نوفمبر، صفحاتٍ لا تخطّها الذاكرة بسهولة.
يحمل هذا اليوم، ٢٨ نوفمبر، صفحاتٍ لا تخطّها الذاكرة بسهولة. في ١٩١٩، خرجت شوارع #القاهرة والإسكندرية والمنصورة تموج بأصوات المصريين في ذروة اشتعال ثورة ١٩١٩. في هذا اليوم بالذات، اصطفت الجموع خلف هتاف واحد: الاستقلال. واجهت المظاهرات رصاص قوات الاحتلال البريطاني، فسقط شهداء وجرحى، لكن السقوط لم يُسكت الصوت؛ بل عمّقه. كان ٢٨ نوفمبر حلقة مكثفة من حلقات تحرر المصريين، اليوم الذي بدا فيه الشارع كأنه برلمان مفتوح، والشهداء كأنهم يكتبون فقرات دستورٍ جديد للحرية.
وعلى امتداد التاريخ الإنساني، شهد هذا اليوم أحداثاً صنعت خرائط العالم. ففي ١٩١٢، أعلنت ألبانيا استقلالها عن الدولة العثمانية، إيذاناً بنهاية حقبة طويلة من الهيمنة وبداية مشوار بناء الدولة الوطنية. وفي ١٩٤٣ انطلق مؤتمر طهران، حيث جلس تشرشل وستالين وروزفلت لرسم مآلات العالم بعد الحرب، في اجتماعٍ صاغ توازنات ظلت لعقود تحكم السياسة الدولية. وفي ١٩٦٠، أعلنت موريتانيا استقلالها، لتلتحق بركب الدول العربية الساعية لتثبيت هويتها ووجودها في عالمٍ يمور بالتحولات.
ما حدث بالأمس:
✦ كان يوم ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٥ مليئاً بما يستحق التوقف.
كان يوم ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٥ مليئاً بما يستحق التوقف. في مصر، تحدث رئيس الوزراء في خطاب مطوّل عن خطط اقتصادية مرتقبة، ركّز فيها على “الإصلاح المالي” و“الهيكلة”، لكنه لم يقترب من جوهر الأزمة: غياب الشفافية، تغييب المشاركة الشعبية، وتجاهل فكرة أن الإصلاح لا يولد إلا من رحم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. الخطاب بدا محاولة لتهدئة الأسواق أكثر منه مخاطبة لوجدان الناس الذين يواجهون ضغوطاً يومية متزايدة.
عربياً، اجتمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة تمهيداً للقمة المصغّرة اليوم، وتصدّر جدول أعمالهم التصعيد الجديد في سوريا بعد الغارة الإسرائيلية على ريف دمشق، التي خلفت اثني عشر قتيلاً بينهم طفلان، إضافةً إلى عشرات الجرحى. الغارة لم تكن مجرد حادثٍ عسكري، بل جرس إنذار جديد حول هشاشة الإقليم كله أمام سياسات القوة.
دولياً، أثار الاتحاد الأوروبي نقاشاً واسعاً بإعلانه تعديلات جوهرية على سياسات الهجرة، ما ينعكس مباشرة على ملف اللاجئين السوريين والعرب. وفي الوقت نفسه، كانت الأسواق العالمية تتقلب على وقع مخاوف اقتصادية مرتبطة بفقاعة الذكاء الاصطناعي، بينما ناقش العالم عبر الأمم المتحدة المخاطر المناخية مع اقتراب COP30 من لحظة اختبار جديدة لإرادة الدول الكبرى.
ما هو متوقع اليوم:
✦ اليوم، ٢٨ نوفمبر، تنعقد في القاهرة قمة عربية مصغّرة.
اليوم، ٢٨ نوفمبر، تنعقد في القاهرة قمة عربية مصغّرة لبحث مستقبل الأزمة السورية بعد التصعيد الأخير. الأنظار تتجه إلى محاولة صياغة موقف عربي واحد—ولو شكلي—يضع حداً لحالة التجزؤ، ويعيد للقضية السورية بُعدها الإنساني الغائب.
في الوقت ذاته، يُنتظر أن تكشف الحكومة المصرية عن الحزمة الاقتصادية الجديدة التي لمح إليها رئيس الوزراء بالأمس، في خطوة تشير—إن صدقت النوايا—إلى بداية مراجعة لبعض السياسات، لكنها تظل رهناً بمدى استعداد الدولة للانتقال من إدارة الأزمة إلى إصلاح جذري، يضع الإنسان قبل الأرقام، والحرية قبل الشعارات.
ثقافياً، ينطلق اليوم في الإسكندرية أسبوع السينما المتوسطية، وفيه تُعرض أفلام عربية وأوروبية تُناقش قضايا الهجرة والحرب والهوية، وهي قضايا تتماس مع قلب اللحظة السياسية الراهنة، وتذكّر بأن الثقافة وحدها تملك القدرة على حفظ ما تحاول السياسة طمسه.
هذه هي حكاية ٢٨ نوفمبر…
✦ يومٌ تلتقي فيه ذاكرة التحرر المصرية بخرائط السياسة العالمية.
هذه هي حكاية ٢٨ نوفمبر… يومٌ تلتقي فيه ذاكرة التحرر المصرية بخرائط السياسة العالمية، ويقف فيه الحاضر العربي على أعتاب قمة جديدة، فيما ينتظر الناس في مصر إصلاحاً لا يكتفي بالوعود، بل يبدأ من الإنسان… ويعود إليه.







