مقالات وآراء

أدهم حسنين يكتب: قافلة الصمود تعرى خيانة النظام المصري

اطلقت قافلة الصمود البرية في التاسع من يونيو 2025، من شارع محمد الخامس في قلب العاصمة التونسية، في مسيرة إنسانية تهدف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، الذي يعاني منذ 19 عامًا من عزلة وتجويع منهجي فرضته إسرائيل بدعم دولي. عُرفت القافلة، التي حملت أسماء مثل “قافلة المغرب العربي للمقاومة” و”الزحف العربي نحو غزة”، بأنها ليست مجرد مبادرة لنقل مساعدات، بل رمز للوحدة العربية والتضامن الشعبي مع الفلسطينيين المحاصرين. شارك فيها أكثر من 1000 ناشط من تونس، الجزائر، ليبيا، المغرب، وموريتانيا، إلى جانب نشطاء دوليين من هولندا، فرنسا، تركيا، كندا، وإيرلندا، في تحرك تضمن حوالي 20 حافلة و350 سيارة محملة بالمساعدات والأمل.

حظيت القافلة بدعم شعبي هائل في تونس والجزائر وليبيا، حيث استقبلها الآلاف في كل مدينة مرت بها، لكنها واجهت خذلانًا كبيرًا من النظام المصري، الذي منع دخولها إلى أراضيه، وقام بترحيل نشطاء محليين ودوليين، بما في ذلك هولنديين وأتراك، بل وصل الأمر إلى الاعتداء على بعضهم قرب مداخل محافظة الإسماعيلية. أثار هذا الموقف المصري موجة غضب واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصف النشطاء ما حدث بـ”وصمة عار”، متهمين النظام المصري بالتواطؤ مع الحصار الإسرائيلي.
سنستعرض رحلة قافلة الصمود، الدعم الشعبي الذي حظيت به، خذلان النظام المصري، تداعيات هذا الموقف، والسياق الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية في 2025.

السياق التاريخي: الحصار على غزة ومبادرات كسر الحصار
يجب ان نعود الى السياق التاريخي للحصار على غزة لفهم أهمية قافلة الصمود،.
منذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، فرضت إسرائيل حصارًا شاملاً برًا وبحرًا وجوًا، مدعومًا من مصر التي أغلقت معبر رفح بشكل متكرر. وصف الأمم المتحدة هذا الحصار بأنه “عقاب جماعي”، حيث تسبب في تدهور الأوضاع الإنسانية لـ2.4 مليون فلسطيني، مع نقص حاد في الغذاء، الدواء، الوقود، والكهرباء. تفاقمت الأزمة منذ مارس 2025، عندما أغلقت إسرائيل المعابر، بما في ذلك معبر رفح بعد سيطرتها على الجانب الفلسطيني، مما جعل القافلة مبادرة حيوية للفت الانتباه إلى هذه المأساة.
لم تكن قافلة الصمود المحاولة الأولى لكسر الحصار. في عام 2010، خرج أسطول الحرية لكسر الحصار المفروض على غزة فتعرض لهجوم إسرائيلي أسفر عن مقتل 10 نشطاء، مما يبرز المخاطر التي تواجه مثل هذه المبادرات. كما شهدت السنوات اللاحقة محاولات مماثلة مثل قوافل “ميل غزة” و”القدس العالمية”، التي واجهت عقبات من السلطات المصرية والإسرائيلية. تُظهر هذه التجارب أن القوافل الإنسانية ليست مجرد مساعدات، بل تحدٍ سياسي للوضع الراهن، يهدف إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العالمي.
فتأتي قافلة الصمود في سياق تصاعد الإدانات الدولية لإسرائيل، حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة “الإبادة الجماعية” في غزة. كما شهدت أوروبا تحركات شعبية، مثل قطع إقليم توسكاني في إيطاليا العلاقات مع إسرائيل، ومظاهرات في بلجيكا ضد تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. وتعطيل مسارات السفن البحرية المحملة بالسلاح إلى الكيان الصهيوني فى عدة اماكن بالعالم مثل استراليا وانجلترا هذا السياق جعل القافلة رمزًا للمقاومة الشعبية ضد الحصار والظلم.

انطلاق قافلة الصمود: رحلة الأمل من تونس
بدأت قافلة الصمود رحلتها من تونس العاصمة في 9 يونيو 2025، في مشهد احتفالي اكتظ فيه شارع محمد الخامس بالمشاركين من مختلف الأطياف. كان من بينهم لطفي بن عيسى، أستاذ جامعي متقاعد في السبعين من عمره، الذي قال: “إن ما يحدث في غزة اختبار صارخ لإنسانيتنا، ووقفة بين من يحافظ على إنسانيته ومن انحدر إلى الحيوانية”. تضمنت القافلة عشرات الحافلات والسيارات، وعلى متنها أكثر من ألف مشارك يرفعون أعلام تونس وفلسطين، ويرددون هتافات تندد بالعدوان الإسرائيلي وصمت المجتمع الدولي.

تحركت القافلة من تونس العاصمة إلى محافظات سوسة، صفاقس، قابس، ومدنين، حيث استقبلها الآلاف بالترحاب. في صفاقس، نُظمت مأدبة غداء رمزية، وفي بنقردان، قرب الحدود الليبية، تجمع السكان لدعم القافلة. وفي معبر رأس جدير الحدودي، عبرت القافلة بسلاسة إلى ليبيا، بفضل تعاون السلطات التونسية والليبية. وأكد وائل نوار، الناطق الرسمي باسم القافلة، أنها ليست مجرد قافلة مساعدات تقليدية، بل “جسر بشري” يهدف إلى ربط غزة بالعالم الخارجي، مشيرًا إلى أن الإعداد لها استغرق وقتًا طويلًا.

الالتحام الجزائري: صوت الحرية يعلو
حظيت القافلة في الجزائر، بدعم شعبي وتنظيمي كبير من خلال “المبادرة الجزائرية لنصرة فلسطين وإغاثة غزة”. التحمت القافلة الجزائرية مع نظيرتها التونسية عند معبر رأس جدير في 10 يونيو 2025، في مشهد وصف بأنه “تاريخي”. قال يحيى صاري، رئيس المبادرة الجزائرية: “هذه القافلة ليست مجرد رحلة تضامنية عابرة، بل هي صوت جزائري حر يخترق جدران الصمت الدولي، ويذكر العالم أن هناك شعبًا محاصرًا يذبح كل يوم أمام أعين المتخاذلين”.
شهدت الجزائر حراكًا شعبيًا واسعًا، حيث أشاد كتاب ومثقفون بأهمية القافلة، مستحضرين مبادرات تاريخية مثل قوافل فرحات حشاد التي دعمت الفلسطينيين عام 1948. عكس هذا الدعم الروح القومية العربية التي لا تزال تنبض في وجدان الشعوب، رغم التحديات السياسية. أشار ناشطون إلى أن القافلة تمثل “صحوة شعبية” تخيف الاحتلال الإسرائيلي، الذي راهن على انقسام الأمة العربية.

ليبيا: التوسع والتحديات
زاد عدد المشاركين بالقافلة عند دخول القافلة إلى الأراضي الليبية في 10 يونيو 2025، ليصل إلى حوالي 1500 ناشط، مع انضمام المزيد من الليبيين في مدن طرابلس، مصراتة، سرت، بنغازي، والزاوية. كان ميار، أحد أبناء الجالية الفلسطينية في ليبيا وناشط في حراك “قاطع وقاوم”، من الشخصيات البارزة، حيث تقدم الصفوف مهتفًا بأسماء يحيى السنوار، أبو عبيدة، وكتائب القسام، في مشهد وصف بأنه “سيمفونية عربية تصدح بالعزة والانتماء”. استقبل الليبيون القافلة بحفاوة، وقدموا المؤن، الوقود، والمبيت للمشاركين.
لكن القافلة واجهت تحديات أمنية وسياسية في ليبيا. فقد قطعت السلطات الشرقية التابعة للواء خليفة حفتر الإنترنت عن القافلة في بعض المناطق، وسط أنباء عن خلافات داخل الأجهزة الأمنية حول السماح بمرورها. ومع ذلك، واصلت القافلة تقدمها نحو الشرق الليبي، مرورًا بمصراتة وزليتن، متجهة إلى معبر السلوم الحدودي مع مصر بحلول 13 يونيو 2025. دعم رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة القافلة، مما عزز من قدرتها على التقدم رغم هذه العقبات.

خذلان النظام المصري: منع وترحيل واعتداءات
بدأت العقبات السياسية مع اقتراب القافلة من الحدود المصرية تتكشف بوضوح . أكدت السلطات المصرية تمسكها بـ”ضوابط زيارة المنطقة المحاذية لغزة”، مما أدى إلى منع القافلة من دخول الأراضي المصرية في 13 يونيو 2025.
احتجزت السلطات في مطار القاهرة الدولي، أكثر من 200 ناشط من جنسيات تونسية، فرنسية، جزائرية، هولندية، وتركية، وتم ترحيلهم بعد اقتحام فنادقهم. من بين الحالات البارزة، تم ترحيل نشطاء أتراك بعد رفع أعلام فلسطينية أمام فندقهم، ونشطاء هولنديين من حزب ميرا25، مما أثار استياءً شعبيًا واسعًا ، كما اقام النظام المصري حملات إعلامية مضادة للقافلة والقائمين عليها وشيطنتهم .
كان أمام النظام المصري خياران اما السماح للقافلة بالعبور أو منعها ، فى حالة السماح كانت ارصدته الشعبية ستزيد ولكن مع تصريح احد وزراء الكيان بأنه امر مصر بعدم دخول النشطاء المنضمين للقافلة فاختار النظام الخيانة والعمالة لسلطات الاحتلال الصهيوني.

لم يتوقف الأمر عند الترحيل، بل وصل إلى الاعتداءات الجسدية. في 14 يونيو 2025، أظهرت مشاهد مصورة اعتداءات من قبل أشخاص يرتدون ملابس مدنية، وصفهم النشطاء بـ”البلطجية”، على أعضاء القافلة قرب مداخل محافظة الإسماعيلية. هذه الاعتداءات، التي وقعت وسط غياب الشرطة الرسمية، أثارت اتهامات للنظام المصري باستخدام هؤلاء “البلطجية” لقمع التضامن مع غزة. وتداول نشطاء تقارير عن تعرض بعض النشطاء، بما في ذلك نساء، لانتهاكات جسيمة، مما زاد من حدة الغضب، كما تعرض الناشطات للتحرش وانتهاك خصوصيتهن.

روى عصام الجشي، أحد النشطاء، تجربته قائلًا: “الأمن المصري اعتقلنا وترحلنا فور وصولنا مطار القاهرة، تعرضنا للضرب والإهانة، ولم يُسمح سوى لعدد محدود جدًا من النشطاء بدخول الأراضي المصرية”. وأشار إلى أن النشطاء الهولنديين تم ترحيلهم إلى مطار صبيحة في تركيا. هذه الإجراءات أثارت جدلًا واسعًا، حيث رأى البعض أنها تعكس “تواطؤًا سياسيًا” مع الاحتلال الإسرائيلي.

ردود الفعل الشعبية والدولية
أثارت إجراءات النظام المصري موجة غضب واسعة على منصات التواصل الاجتماعي. وصف ناشطون ما حدث بـ”وصمة عار”، داعين إلى مظاهرات سلمية أمام السفارات المصرية للمطالبة بحقوق النشطاء. رأى البعض أن القافلة تُستخدم كورقة ضغط سياسي ضد النظام المصري، مشيرين إلى توقيتها الحساس وسط الضغوط الدولية على مصر بسبب إغلاق معبر رفح. بينما اعتبر آخرون أن منع القافلة يعكس “خضوع النظام المصري للضغوط الإسرائيلية”، متهمينه بتنفيذ “صفقة القرن” لتصفية القضية الفلسطينية.

على الصعيد الدولي، تزامنت رحلة القافلة مع تحركات أوروبية لدعم غزة. في بلجيكا، تظاهر نشطاء من منظمة “فيردساكتي” أمام شركة “بي. إم. تي. أيروسبيس”، مطالبين بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. وفي إيطاليا، أعلن إقليم توسكاني قطع العلاقات مع إسرائيل بعد تصويت مجلس الإقليم. لكن، أشار ناشطون إلى أن العنف الذي واجهته قوافل سابقة، مثل استهداف أسطول الحرية عام 2010، واعتقال طاقم سفينة مادلين مثل غريتا تونبرغ والصحفى بقناة الجزيرة عمر فياض ، يظهر المخاطر التي قد تواجه القافلة حتى لو وصلت إلى معبر رفح.

التحليل: خذلان النظام المصري وأثره
يعكس منع النظام المصري لدخول قافلة الصمود وترحيل النشطاء موقفًا سياسيًا معقدًا، يتأثر بالضغوط الإسرائيلية والدولية. معبر رفح، المنفذ الوحيد لغزة إلى العالم الخارجي، مغلق منذ مارس 2025، مما فاقم الأزمة الإنسانية في القطاع. يبدو أن القرار المصري جاء لتجنب التصعيد مع إسرائيل، لكنه أثار استياء الشعوب العربية التي رأت فيه خذلانًا للقضية الفلسطينية. اتهم ناشطون النظام باستخدام “بلطجية” لتجنب المسؤولية الرسمية عن الاعتداءات، مما يزيد من التوتر بين النظام والشعب.

من ناحية أخرى، رأى بعض المغردين أو نقولها صريحة اللجان الإلكترونية المعروفة بالذباب الإلكتروني أن القافلة قد تكون محاولة لإثارة الفوضى في مصر، مشيرين إلى ارتباطها المزعوم بجماعات سياسية مثل الإخوان المسلمين. لكن هذه الاتهامات تفتقر إلى أدلة قاطعة، وتبدو جزءًا من الجدل السياسي حول القافلة .

أصوات من القافلة :
الناشط ساهر المصري، ناشط فلسطيني يعيش في تونس، وصف القافلة بأنها “رسالة تحدٍ وإرادة”، مؤكدًا أنها تعبر عن إرادة الشعوب رغم العقبات. كما تحدثت ناشطة تونسية، فضلت عدم الكشف عن اسمها، عن شعورها بالفخر بالمشاركة، لكنها أعربت عن خيبة أملها من الموقف المصري. وروى ناشط تركي، تم ترحيله من مطار القاهرة، كيف تعرض للإهانة والضرب، مشيرًا إلى أن “النظام المصري يخاف من أي صوت يدعم فلسطين”. هذه القصص تعكس الروح الإنسانية التي دفعت بالقافلة، والإحباط من العقبات السياسية.

تأثير القافلة على الحراك الشعبي العربي
على الرغم من منع القافلة من دخول مصر، فقد تركت أثرًا عميقًا على الحراك الشعبي العربي. ألهمت القافلة الشباب في تونس، الجزائر، وليبيا، وأعادت إحياء روح التأخى بين العرب التي كثيرًا ما تُتهم بالتراجع. وصف المفكر القومي معن بشور القافلة بأنها “تؤكد اقتراب انهيار الاحتلال”، مشيدًا بدعم الشعوب وقوافل التضامن. كما دعا حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” في موريتانيا الحكومات العربية إلى تسهيل عبور القوافل الإنسانية.

على منصات التواصل الاجتماعي، أشعلت القافلة نقاشات حول وحدة الأمة العربية. دعا حساب “كمونتا” إلى تسيير قوافل من دول مجاورة لفلسطين مثل الأردن وسوريا ولبنان، قائلًا: “والله لنصلي العصر بالمسجد الأقصى”. لكن آخرين، مثل المغرد “عمار”، أشاروا إلى التحديات العملية، محذرين من أن إسرائيل قد تقصف أي شاحنة تدخل دون إذن. هذه النقاشات تعكس التوتر بين الحماس الشعبي والواقع السياسي المعقد.

السياق الإقليمي والدولي في 2025
تشهد القضية الفلسطينية في 2025، تصاعدًا في الاهتمام الدولي. أدت الإدانات المتزايدة لإسرائيل، بما في ذلك مذكرات المحكمة الجنائية الدولية، إلى زيادة الضغط على الحكومات العربية لاتخاذ مواقف أكثر جرأة. في الوقت نفسه، تواجه مصر ضغوطًا داخلية وخارجية، حيث تتهمها الشعوب العربية بالتواطؤ والعمالة لصالح إسرائيل بسبب إغلاق معبر رفح ، وترك الأراضي المصرية فى محور فيلادلفيا مستباح لقوات الاحتلال

على الصعيد الإقليمي، ألهمت القافلة دولًا أخرى لتسيير مبادرات مماثلة. في تركيا ، دعا نشطاء إلى تنظيم قوافل من تركيا عبورا إلى باب الهوى فى الأراضي السورية حتى الأردن إلى معبر الكرامة، بينما شهدت لبنان مظاهرات تضامنية مع القافلة. هذه التحركات تعكس تنامي الوعي الشعبي بضرورة التحرك الجماعي لدعم غزة.

وفى النهاية

كانت قافلة الصمود رمزًا للوحدة العربية والتضامن الإنساني، حيث جمعت أحرار تونس، الجزائر، وليبيا ومورتانيا تحت راية دعم غزة. ورغم الدعم الشعبي الهائل في هذه الدول، فإن خذلان النظام المصري، من خلال منع القافلة، ترحيل النشطاء (بما في ذلك الهولنديين والأتراك )، والاعتداء عليهم في الإسماعيلية، ألقى بظلال ثقيلة على هذه المبادرة. تؤكد هذه الأحداث أن القضية الفلسطينية اختبار لضمير الأمة، وأن الشعوب العربية ستواصل نضالها رغم العقبات. تبقى قافلة الصمود صوتًا مدويًا يذكر العالم بأن غزة ليست وحدها، وأن إرادة الشعوب أقوى من أي حصار.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى