مصرمقالات ورأى

أزمة ألبان الأطفال بداية من لبن "بيبي زان" وحتى لبن "تحيا مصر"

أولا ـ زيادة الطلب على ألبان الأطفال لأنه وبالرغم من تراجع أعداد المواليد خلال آخر 5 سنوات، إلا أن الحاجة إلى ألبان الأطفال قد زادت نظرا لارتفاع نسبة الولادات القيصرية؛ كما ارتفعت نسبة الإصابة بالأنيميا بين السيدات في سنّ الإنجاب مؤخرا، وهذا يعني عدم القدرة على الرضاعة الطبيعية التي توفر للأطفال احتياجاتهم الغذائية كاملة.

ثانيا ـ قلة الكميات المتاحة: وحيث يحتاج كل رضيع من 7 إلى 10 علب لبن شهريا، ويصل استهلاك مصر لألبان الأطفال إلى 50 مليون علبة سنويا، ولكن تلك الكمية أصبحت غير متاحة؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، لأن 60% من مدخلات الإنتاج مستوردة، مع صعوبة الحصول على الدولار الأمريكي اللازم للاستيراد.

إضافة إلى أن كبرى شركات الاستيراد وهي “شركة المتحدة” قد خرجت من السوق مما أحدث فجوة في التوريد أثرت على المعروض.

ثالثا ـ زيادة الأسعار: بنسبة تبلغ في المتوسط 220% خلال عام واحد لعدم خضوع ألبان الأطفال بالأسواق للتسعيرة الجبرية.

ومن ناحية أخرى فإن لبن الأطفال المدعم يقدم من خلال 1100 منفذ للصحة على مستوى الجمهورية، ويتم صرفها بعد استيفاء الشروط وتشمل: 1 ـ وفاة الأم، 2 ـ وجود توأم، 3 ـ إثبات إصابة الرضيع بأمراض الحساسية، وبحد أقصى ست عبوات شهريا، وبالنسبة لحالات فشل الرضاعة الطبيعية فإنه يتم عرض الأم على لجنة طبية، وتلك الخطوة تعتبر مثار الكثير من الشكاوى من المواطنين؛ فبعدما كان يحق للأم صرف من أربع إلى ست عبوات شهريا؛ أصبحت تحصل على عدد عبوات أقل، ومن ناحية أخرى فإن الحصة التي تصرفها وزارة الصحة المصرية للطفل المصاب بالحساسية تجاه الألبان تبلغ علبتين فقط شهرياً، أي نصف الحد الأدنى الموصى به من منظمة الصحة العالمية.

لبن “بيبي زان” للأطفال من إنتاج مصنع “لاكتو مصر” حقق مستوى عاليا من الجودة عالميا:

لا بد من الإشارة إلى أن تصنيع ألبان الأطفال في الأصل يتم من ألبان الأبقار المُعالجة، بمعنى تعديل تكوين ونسب البروتين في حليب البقر ليكون مشابها للبروتين الموجود في لبن الأم، إضافة إلى نزع الدسم منه، وهي عملية معقدة، وتحتاج إلى تقنيات وتجهيزات عالية، فضلًا عن وجود أجهزة مراقبة على أعلى مستوى، وغالبا ما تكون صلاحية ألبان الأطفال نحو 18 شهرا فقط من تاريخ الإنتاج، أما بعد فتح العلب واستخدامها، تكون فترة الصلاحية شهرا واحدا فقط. (وتلك خاصية هامة يجب مراعاتها عند تخزين الألبان وعند تداولها بين المواطنين). وقد عاصرنا في وزارة الصحة ترحيبا رسميا وشعبيا كبيرا ببدء إنتاج مصانع شركة “لاكتو مصر”، التي تأسست عام 2000، وتمتلك وزارة الصحة حصة بنسبة 3% من خلال الشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية (أكديما)، وينتج المصنع 35 مليون علبة لبن أطفال في العام.

ومن الطريف الإشارة إلى أنه قد تم إطلاق اسم “بيبي زان” على المُنتج الجديد، تيمنا باسم السيدة “سوزان مبارك”، حرم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتم ذلك وسط زخم إعلامي ومبشرات كثيرة حول قرب الاكتفاء الذاتي من ألبان الأطفال.

ولكنه وفي بداية عام 2006 صدر قرار من وزير الصحة بوقف إنتاج وتداول لبن “بيبي زان‏” للأطفال الرضع، لأسباب غامضة، في حين تحرك الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء سابقا، ورئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب وقتها؛ باستدعاء وزير الصحة لمناقشة القرار، وتم الاتفاق على أن هذا المصنع يعد وصمة عار في جبين المسؤولين عن قطاع الصحة في مصر؛ ليتم إسدال الستار على لبن “بيبي زان” ويختفي من الأسواق المصرية.

في صباح الأول من سبتمبر/أيلول 2016، شهدت مصر مظاهرة حاشدة من الأمهات وهن يحملن أطفالهن وسط الصراخ والبكاء، أمام الشركة المصرية لتجارة الأدوية على كورنيش النيل بالقاهرة، وسط صخب إعلامي كبير يعرض الكارثة، وينشر خبر الأزمة الطارئة ونقص ألبان الأطفال، بعد أن صدر قرار مفاجئ من وزير الصحة؛ بحظر تداول الألبان الصناعية للأطفال والمدعمة سوى في المراكز الحكومية فقط وباستخدام بطاقة خاصة، مع رفع سعر العبوة الواحدة بنسبة 60% دفعة واحدة، وصاحب ذلك القرار اختفاء حاد ومفاجئ لجميع أصناف الألبان من الأسواق والصيدليات، لتتوالى بعدها تصريحات وزير الصحة بأن الألبان المدعمة متوفرة في المراكز الحكومية المعتمدة فقط، وأن الجهود يتم بذلها لمواجهة الأزمة، وأنه تم التفاوض مع الجيش لحل الأزمة خلال ساعات. وبعدها مباشرة، وفي خلال يومين فقط، أعلن الجيش عن توفير ألبان الأطفال، ولكن بعد زيادة سعر العبوة الواحدة بنسبة 45% من السعر الأصلي. وبعدها بشهر، قام الجيش برفع السعر مرة أخرى باعتباره المحتكر الوحيد لألبان الأطفال في مصر، وتم وضع شعار “تحيا مصر” على كل عبوة؛ تيمنا بما يقوله السيسي ويردده باستمرار في كل مناسبة.

تم توقيع عقد شراكة في عام 2019؛ بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وبين شركة “لاكتو مصر” لإنتاج ألبان الأطفال، فأصبح الجيش شريكا بنسبة ١٥٪ في أسهم الشركة، وأصبحت شركة الجيش هي المسؤولة عن التوزيع لكامل إنتاج المصنع، ثم استحوذ الجيش على حقوق الملكية الفكرية لإنتاج “الألبان العلاجية للأطفال” من الشركة.

وفي منتصف عام 2022، صدر بيان من رئاسة الجمهورية بضرورة متابعة منظومة إنتاج لبن الأطفال على المستوى المحلي، وبتطوير الطاقة الإنتاجية، لتغطية الاحتياجات المحلية، وسد الفجوة الاستيرادية من هذه السلعة الاستراتيجية الهامة.

ونتيجة لوجود الأزمة الحالية في ألبان الأطفال فقد ظهرت الكثير من المشاكل على محورين:

المحور الأول هو الجانب الصحي ـ حيث قفز مستوى الوفيات بين الأطفال الرُضع، أقل من عمر عام، بأكثر من 20% بدءًا من عام 2020، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، والذي أعلن أيضا أن معدلات الإصابة بالأنيميا قد ارتفعت إلى نسبة 43% بين الأطفال دون سن الخامسة، ويزيد سوء التغذية الحاد من مخاطر الوفاة بسبب أمراض أخرى مثل الالتهاب الرئوي بين تلك الشريحة العمرية.

المحور الثاني مجتمعي ديني ـ قديما كانت “المُرضعات” هن البديل للطفل الذي لا يجد لبناً من أمه، قبل أن تختفي الظاهرة من مصر منذ عقود طويلة، ولكنها عادت للظهور مرة أخرى؛ وتبدأ بالبحث عن الأقارب والجيران الذين لديهم أطفال صغار لإعطاء الطفل رضعة مشبعة بشكل منتظم، وقد تكون بأجر أو تطوعا بدون أجر، ولكن انتشار نظام المرضعات يفرض على الدولة أهمية التوعية الدينية المجتمعية، والتركيز على ضرورة  تسجيل اسم المرضعة والمعرفة التامة للأبناء بها حتى لا تحدث مشكلة شرعية وتختلط الأنساب بزواج الإخوة في الرضاعة فيما بعد.

تفاقم أسعار ألبان الأطفال وعدم توفر بعضها؛ يقابله تحميل تقارير محلية للجيش كامل المسؤولية، حيث يحتكر الجيش تصنيع وتوزيع الألبان المنتجة محليا، إضافة إلى احتكار استيراد كل ما يتعلق بمجال الصحة عبر “هيئة الشراء الموحد” التي يترأسها ضابط جيش، ونظرا لأن تلك الألبان لا غنى عنها للأطفال الرضع فضلًا عن وجود أصناف من الألبان العلاجية.

ومن حق كل طفل الحصول على اللبن المدعم من مراكز الصحة حسب الشروط، مع أهمية تسهيل الإجراءات، وزيادة منافذ الصرف جغرافيا، ولكن المشكلة الخطيرة هي أن ألبان الأطفال المتاحة بالصيدليات غير خاضعة للتسعير الجبري، وتتبع للهيئة القومية لسلامة الغذاء، وتزيد أسعارها بين وقت وآخر بسبب السعر الحر لها والاعتماد على الاستيراد ؛ والحل هو ضرورة التسعير الجبري باعتبارها ليست مجرد أغذية عادية، وإعادة التوصيف بالمسمى المناسب تمهيدا لدخولها تحت رقابة التسعيرة الجبرية من خلال هيئة الدواء المصرية، حتى يتم ضمان الوفرة والإتاحة والعدالة لجميع المواطنين 

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى