العالم العربيملفات وتقارير

رحلة الحج عبر الدروب القديمة .. البربر في المغرب يحيون تقاليد الأسلاف

في قلب جبال الأطلس وعبر دروب أجدادنا القديمة، تنطلق رحلة الحج التي لم تعد مجرد مسار روحي، بل معركة محتدمة بين صمود التراث وهجوم العصرنة القاسية.

في المغرب اليوم، يكاد إرث البربر العظيم يُمحى وسط صمت رسمي واندثار متسارع، حيث تكاد تلك الدروب التي حملت أقدام الأسلاف وأمانيهم تتلاشى في زحام التغيير والتهميش.

موقع “أخبار الغد” يكشف الحقيقة المُرة خلف رحلات الحج عبر الدروب القديمة، رحلة تحمل في طياتها نضال الهوية، صراعات الواقع، وآمال مهددة بالانطفاء.

هل ستنجو تلك التقاليد المقدسة من الإهمال والاندثار؟ أم أن زمنها قد ولى إلى الأبد؟ لن نترك هذا السؤال بلا إجابة.

فقد أكدت مصادر ومواطنون مغاربة أن رحلة الحج عبر الدروب القديمة، التي يحييها البربر في المغرب كجزء من تقاليد الأسلاف، تواجه تحديات غير مسبوقة تهدد بطمس هذه الطقوس العريقة، وسط تغييرات اجتماعية وثقافية متسارعة.

الرحلة التي تمثل بالنسبة لهم رابطاً روحياً وتاريخياً لا ينقطع، باتت معرضة لخطر الاندثار نتيجة الإهمال، التحديث غير المدروس، وضغوطات الحياة الحديثة.

البربر.. حراس التقليد وروح الرحلة

أشار عبد الرحيم الفاسي، مؤرخ مختص في التراث الأمازيغي، إلى أن “رحلة الحج عبر الدروب القديمة ليست مجرد طقس ديني، بل هي استحضار لتاريخ طويل من المقاومة والهوية. هذه الدروب تحكي قصص الأجداد وتربط بين الأجيال، لكن مع تغير الزمن وتبدل الأولويات، هناك خطر كبير على استمرارها.”

أوضح سمير أيت منا، أحد القرويين المشاركين في الرحلة، أن “الصعوبات تتزايد كل سنة، من نقص الدعم الحكومي إلى تحديات الطرق الموعرة، ما يجعل الجيل الجديد يتراجع عن المشاركة، مع أن هذه الرحلة تمثل بالنسبة لنا تواصل روحي لا يمكن التخلي عنه.”

مخاوف من الاندثار في مواجهة الحداثة

أكدت نزهة الإدريسي، أستاذة في الأنثروبولوجيا، أن “تغير نمط الحياة وانخفاض عدد الحجاج يعكس تحولات اجتماعية كبيرة. الشباب أصبحوا يفضلون الأساليب الحديثة في التعبد والعبادة، متخلين عن الممارسات الجماعية التي كانت تشكل اللبنة الأساسية للترابط المجتمعي.”

وأشار يوسف بوشعيب، ناشط في الحفاظ على التراث، إلى أن “المسؤولية ليست فقط على عاتق المجتمع، بل هناك تقصير كبير من مؤسسات الدولة التي لم توظف الإمكانيات الكافية للحفاظ على هذه التقاليد، مما يؤدي إلى فقدان الهوية التاريخية.”

رحلة محفوفة بالمخاطر

أكدت فاطمة الزهراء بنحمو، طبيبة ميدانية ترافق الحجاج، أن “المسالك القديمة تعرض الحجاج لمخاطر صحية وأمنية، ولا سيما كبار السن، الذين يعانون من نقص الخدمات الطبية أثناء الرحلة، وهو ما يتطلب تدخلات عاجلة لضمان سلامة الجميع.”

أوضح الحسن اليعقوبي، مرشد سياحي في منطقة الأطلس، أن “رحلة الحج عبر الدروب القديمة قد تتحول إلى كارثة إن لم تجرِ عملية تحديث واعية تراعي المحافظة على الطابع التقليدي، مع توفير بنية تحتية ملائمة.”

الحنين والقلق

أكدت زهور بوزيان، ربة منزل من منطقة الريف، أن “الرحلة بالنسبة لي ولأسرتي هي ذكرى تربطنا بجذورنا، ولكن قلة الدعم جعلت المشاركة صعبة، وأشعر بقلق من أن أولادي لن يعرفوا هذا التراث.”

أشار محمد الشرادي، تاجر في مدينة مراكش، إلى أن “الرحلة تجلب نشاطاً اقتصادياً مهما للقرى المحيطة، وفقدانها يعني تراجعاً في الموارد وفرص العمل المحلية، وهذا يشكل ضربة مزدوجة للتراث والاقتصاد.”

رؤية المختصين.. خطوات للحفاظ على الهوية

أكد عبد الله الكريني، باحث في الثقافة الأمازيغية، أن “إنقاذ رحلة الحج القديمة يتطلب خطة شاملة تجمع بين المحافظة على الطابع الثقافي وتوفير الدعم اللوجستي، مثل إنشاء مراكز استقبال وتحسين المسالك.”

أوضح ليلى برادة، خبيرة في التنمية المحلية، أن “تفعيل دور الجمعيات المحلية والمجتمع المدني مهم جداً، كما يجب إدماج هذه الرحلات في البرامج السياحية الرسمية، مما يضمن استمراريتها وتوفير الموارد اللازمة.”

التحديات البيئية وتأثيرها على الدروب

أكد سعيد المزابي، ناشط بيئي، أن “التغيرات المناخية وتدهور البيئة أثر بشكل كبير على هذه الدروب، حيث أصبحت بعض المسالك غير صالحة للسير، وهذا يتطلب استجابة بيئية لحماية التراث الطبيعي والتقليدي معاً.”

أشار يونس حمدوش، مزارع من منطقة الأطلس، إلى أن “تدهور الأراضي وعدم استقرار الطقس يجعل من الرحلة تحدياً أكبر كل سنة، وهذا يستدعي إعادة النظر في مواعيد الرحلات وطرق التنظيم.”

المستقبل.. بين الاستمرار والانطفاء

أكدت سمية أفيلال، باحثة متخصصة في التراث، أن “رحلة الحج عبر الدروب القديمة في المغرب هي اختبار حقيقي لمدى احترامنا لجذورنا وهويتنا. الحفاظ عليها ليس مجرد تقليد بل ضرورة وطنية.”

أوضح هشام التازي، طالب جامعي مهتم بالثقافة الأمازيغية، أن “على الشباب أن يشاركوا بفعالية في هذه الرحلات، لتتجدد الروح وتتأكد استمرارية هذا التراث في ظل عالم متغير.”

رحلة الحج عبر الدروب القديمة.. مأساة الأصالة في زمن التغيرات

تتجلى رحلة الحج عبر الدروب القديمة كأيقونة حية ترسم صورة المغرب الأصيل، حيث يصارع التراث من أجل البقاء في وجه العصرنة السريعة.

المجتمع بأطيافه المختلفة مطالب اليوم بأن يتوحد من أجل حماية هذه الإرث النفيس، وإعادة الاعتبار لموروث الآباء والأجداد، قبل أن تتحول هذه الرحلة الروحية إلى مجرد ذكرى محبطة في سجلات الزمن.

حيث تبقى رحلة الحج عبر الدروب القديمة في المغرب أكثر من مجرد تقليد أو طقس ديني؛ إنها نبض تاريخٍ وهويةٍ يرفض الانطفاء رغم كل العواصف.

لكنها اليوم تقف على حافة الهاوية، بين تجاهل المسؤولين وتسارع التغيرات التي تبتلع جذورها. إذا لم تتحرك الأيدي للحفاظ عليها، ستتحول هذه الرحلات المقدسة إلى صفحات سوداء في سجل التراث المغربي، تُنسى في غياهب النسيان.

فهل سنسمح بأن يُمحى ماضينا ويُدفن حاضرنا، أم سنقف صفاً واحداً مع حراس الأصالة ليبقى صوت الأسلاف صامداً في وجه لهيب الزمن؟ القرار لم يعد خياراً بل مسؤولية تُفرض على الجميع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى