مقالات ورأى

عمرو هاشم ربيع يكتب: تحديات أمام الولاية الأخيرة للرئيس السيسي

منذ أقل من شهر قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بحلف اليمين لولاية رئاسية ثالثة وأخيرة مدتها 6 سنوات. المدة الرئاسية التي بدأت مؤخرا فتحت الباب أمام عديد التحديات التي تواجه الرئيس السيسي بشكل خاص ونظام الحكم في مصر(نظام 30يونيو2013) بشكل عام.

مشكلات جمة على رأسها التحدى الاقتصادي، فالرجل الذي تسلم البلاد وكان حجم الدين الخارجي لم يبرح الـ45,288مليار دولار(وفقا لبيانات البنك المركزي)، ومعدل الفقر بين السكان لم يخترق حاجز الـ27%(وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء)، ونسبة التضخم في أسعار السلع والخدمات التي لم تزد عن8,8%(وفقا المركز الإعلامي لمجلس الوزراء).

أصبح اليوم يواجه مشكلات كبيرة في دولة كبيرة زاد عدد السكان فيها بالداخل عن106ملايين نسمة، وأصبح حجم الدين الخارجي فيها يتجاوز الـ165ملياردولار، ليزيد بشكل كبير فيفوق200 مليار دولار تقريبا بعد إضافة خدمة الدين لعام2024 وتقدر بـ 29,229مليار دولار(وفقا لبيانات البنك المركزي) إضافة إلى الدين الجديد لصندوق النقد الدولي الذي اتفقت مصر عليه مطلع العام2024، وكذلك دين الاتحاد الأوروبي الذي أقره الاتحاد في17مارس الماضي.

أما معدل الفقر فقد وصل إلى37,5% أي أنه تجاوز ثلث عدد السكان، ونسبة التضخم السنوي التي أصبحت اليوم35,7%(وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في فبراير2024).

هنا من المهم الإشارة إلى أن مشكلة الدين الخارجي ترتبط بالخلل بين الإنتاج والإستهلاك، ومن ثم فإن العمل الدائم على زيادة قيمة الصادرات وفتح المصانع المغلقة هي أهم روجته للخلاص من أزمة الخفض المتوالي لقيمة العملة المحلية.

أولويات الإنفاق واحد من أهم المعضلات التي تواجه الرئيس السيسي في فترة رئاسته التالية، إذ أن لا يخفى على الكثيرين أن واحد من أهم الأمور التي أدت إلى زيادة عبء الدين الخارجي هو عدم تحديد أولويات الإنفاق، هنا من المفيد الإشارة إلى كلام الرئيس في عيد الشرطة عام2023 عندما قال مصر أنفقت على تطوير الطرق2 ترليون جنيه، وهو رقم يوازي أكثر من ثلث الدين الخارجي في ذلك الوقت.

وإذا أضيف إلى ما سبق المشروعات الضخمة كتأسيس العلمين الجديدة والعاصمة الإدارية لاتضح سبب تضخم الدين، وتبين في نفس الوقت أهمية قيام الرئيس السيسي في الفترة الرئاسية الجديدة بعدم تجاهل الاستماع لعديد الخبراء الاقتصاديين المنتمين لمدارس فكرية مختلفة، وهو ما كان يحدث في السابق، حيث كان يتم تنحية آراء هؤلاء لصالح الاستماع لهيئات أمنية غير متخصصة أو محاكاة أنماط تنمية معمارية في بلدان عربية معينة.     

الأمر المهم الأخر هو أن البلاد مع المصاعب الاقتصادية باتت تعتمد بشكل كبير على مصادر النقد الأجنبي التقليدية، من تحويلات العمالة في الخارج وعائد السياحة الخارجية ودخل قناة السويس، ومعظمها تلك المصادر تتأثر بالتقلبات الخارجية، ولعل أبرز مثال على ذلك ما تتعرض له قناة السويس منذ ديسمبر الماضي من تهديد الملاحة بسبب حرب غزة، ما خفض دخل القناة إلى النصف تقريبا.

وكذلك تأثر تحويلات المصريين بالخارج بانخفاضها من31,9 إلى 22,1مليار دولار بين السنتين الماليتين 21/2022 و22/2023بسبب التخبط في القرارات الاقتصادية والتعويمات المتتالية لقيمة العملة، وخشية المغتربين على مصير تحويل أموالهم للداخل رغم ثلة الحوافز الكثيرة.

لاشك أن البلاد عليها في الفترة الأخيرة أن تتخلص من تلك المشكلة عبر ارتباط الاقتصاد بثلة عملات أجنبية رئيسة كاليوان الصيني والروبل الروسي واليورو الأوروبي، لأن ما جرى عليه العمل هو الاعتماد على الدولار وحده رغم أن الولايات المتحدة ليست هي الشريك التجاري الرئيس مع مصر، ما يجعل السؤال المشروع لماذا يتم تحديد قيمة تلك العملات وفقا لسعر الدولار -المتذبذب- في السوق المصري، رغم وضع الدولار الضعيف في الكثير من الأحيان في مواجهة تلك العملات داخل تلك البلدان!!!.

تحدي آخر يرتبط بما سبق وهو دعم الاستثمار الأجنبي، أو ما بات يعرف لدى الكثيرين من الداعمين والناقدين للحكومة المصرية ببيع الأصول.

هنا تبدو المسألة في حاجة إلى تفكير كبير بشأن شكل القيود الخاص والعامة على الاستثمار الأجنبي في مصر.

قيود خاصة، لأن بيع الأصول مرتبط بمكانها ومن ثم بأمن البلاد، والكلام هنا يخص سيناء على وجه التحديد. وقيود عامة لأن المستثمر الأجنبي بات يفكر بشكل يهدف إلى بخس ثمن الأصول، ومن ثم فإنه اعتاد على أن التعويم يليه تعويم، لذلك فهو ينتظر دوما التعويم التالي للوصول إلى أقل سعر للجنيه. على أية حال، فإن ما يلي عملية بيع الأصول لا يقل أهمية عن فترة طرح الأصول.

بعبارة أخرى، من المهم ضمان أن تقوم الحكومة المصرية في الفترة القادمة بضمان أن يهدف الاستثمار الأجنبي لمزيد من التشغيل والتوظيف وكذلك الاتفاق على كيفية تنظيم خروج عائد تلك الاستثمارات خارج البلاد، حتى يستفاد الطرفين من تلك العوائد. 

التحدي المهم أيضا هو ذلك المرتبط بالأمن الاجتماعي، ومن ثم ضرورة العمل على بقاء منظومة الحماية الاجتماعية في تصاعد مستمر، وذلك لرفع العبء عن كاهل المواطنين المنتمين للطبقتين الدنيا والوسطى.

فحزم الرعاية الاجتماعية رغم كثرتها إلا أنها لم تعد كافية لمواجهة الفوارق الطبقية الكبيرة، والغلاء الدائر بلا مكابح في أسعار الغذاء. هنا يكون من الأجدى لنظام30 يونيو أن يضرب بيد من حديد على الاحتكار والمحتكرين.

ويعيد التفكير في الأمر الذي بات أكثر إلحاحا وهو توفير قدر كبير من الموارد بغرض الحماية الاجتماعية، ولعل أول وأهم الخطوات في ذلك هو ضغط الإنفاق الحكومي.

وكذلك الضرائب المتصاعدة لصالح الفئات الأولى بالرعاية. وهذ الأمر الأخير مهم لأن هناك عديد الأنشطة والقطاعات لا تخضع للنظام الضريبي المصري.

ويقع معظمها عند أصحاب الدخول الضخمة والثروات، بسبب ما يتمتع به هؤلاء من نفوذ سياسي واجتماعي، يمكنهم من مقاومة أية تعديلات تشريعية ضريبية.

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ارتفاع صخب الكثيرين عند الحديث كل مرة على ضرورة فرض ضرائب على المعاملات في البورصة والأرباح الرأسمالية الناجمة عنها.

غاية القول أن مصر من الضروري أن تلجأ لعديد الإجراءات حتى لا تفاجأ بأن تعويم 6مارس الأخير، ما هو إلا سلسلة ضمن تعويمات سابقة ولاحقة ترهق كاهل الاقتصاد.   

كل ما سبق لا ينفى بالطبع أن فترة الرئيس السيسي الجديدة تحتاج إلى إعادة النظر دراميا في وضع المجال العام الموصد منذ أكثر من عقد، سواء في مسألة الحبس الاحتياطي وتداعياته، أو عدم منح الفرص للأحزاب السياسية والمجتمع المدني للانطلاق، أو بشان قانون الانتخاب المعيب والذي بموجبه يتم تقريبا تعيين أو تزكية نصف نواب البرلمان ما يقوض الرقابة السياسية.

وكذلك عدم إجراء الانتخابات المحلية منذ أكثر من عقد ونيف، والقيود الكبيرة المفروضة على الإعلام صاحب الصوت الواحد بسبب هيمنة مؤسسة أمنية عليه، وتقليص الحريات الأكاديمية لأقصى درجة، وأيضا حجب562 مواقعا إلكترونيا(وفق التقرير السنوي لمركز التنمية والدعم والإعلام “دام”).

ناهيك عن عديد الإجراءات والمؤشرات الدالة عن عسكرة كافة مناحي الحياة في مصر ليس فقط بقيادة ضباط متقاعدين مئات المواقع الإدارية في الدولة، بل والأهم هو إدارة مؤسسات أمنية بعينها شئون مدنية كثيرة.

لا شك أن كافة تلك الأمور تحتاج إلى تعديل جوهرى بحيث يتم تكريس حقيقي لدولة مدنية فعلية، كما تكرست في30 يونيو2013 كونها دولة غير دينية.

إن كافة الخطوات التي تؤدى إلى الولوج إلى فتح المجال العام، لا تنبع أهميتها فقط من أنها ستكون متنفس معتبر للناس في ظل اختناقهم بسبب الأزمة الاقتصادية التي لم يكونوا مسئولين عنها، بل والأهم أنها ستأتي بجيل جديد، يهدف إلى قيادة البلاد بعد2030 حيث ستكون الفترة الحالية الممتدة من 24-2030 هي فترة الحكم الأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي.

إذ أنه من المؤكد أن البلاد لن تكون في حالة استقرار وهي لا تجد مرشحين أكفاء، مرشحين ينتمون لدماء جديدة، وهؤلاء لن يتواجدوا إلا في مناخ من الحرية والنزاهة والديمقراطية وحقوق الإنسان. فهل استعد الرئيس لهذا اليوم غير البعيد؟.    

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى