مصر

مأمون فندى يكتب: تحدي سيناء أكبر مما نتصور

لماذا التحدي في سيناء أكبر مما نتصور؟ ولا علاقة لذلك لا بالرئيس السيسي أو من قبله مرسي ومبارك، إلا إذا تغيرت قواعد اللعبة في سيناء سياسيا وعسكريا، مما يجعل استقرار سيناء ومعها مصر همًا إقليميًا ودوليًا بقدر ما هو هم مصري.
من حق القارئ أن يعرف ما هي مؤهلاتي للحديث عن التحدي الكبير للدولة المصرية في سيناء. معرفتي بسيناء ليست نظرية، أو مجرد رأي لدارس لسياسة المنطقة ويتكلم في كل شيء، خبرتي في سيناء هي نتيجة معرفة ميدانية تعرفت فيها بلا مبالغة على كل سيناء. معرفتي بسيناء ليست نتيجة سياحة في شرم الشيخ، أو غطس في رأس محمد، أو زيارة للعريش، بل كانت عملا مع القوة المتعددة الجنسيات (MFO) المتمركزة في الجورة جنوب الشيخ زويد التي تمثل مسرح أحداث مواجهات الجيش المصري مع جماعات الإرهاب. وكانت ولا تزال مهمة القوة متعددة الجنسيات هي التأكد من سلامة البروتوكول العسكري الخاص باتفاق «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل، حيث تقسم مناطق المواجهة بين مصر وإسرائيل إلى أربعة قطاعات هي «أ»، و«ب»، و«ج»، و«د». المنطقة «د» داخل الأراضي الإسرائيلية، بينما «أ»، و«ب»، و«ج» داخل سيناء. وسأعرض باختصار شديد للمناطق «أ»، و«ب»، و«ج»، في سيناء لأنها التي تهم القارئ في فهم ما يجري.


المنطقة «أ» هي الممتدة من رأس محمد جنوبا حتى بئر العبد شمالا (غرب العريش) بها 22 ألف جندي مصري مسلحون تسليحا ميدانيا كاملا باستثناء نوعيات محددة من الصواريخ تهدد أمن المدن الإسرائيلية الكبرى. ولن أدخل في التفاصيل الفنية هنا.
أما المنطقة «ب» الممتدة من سانت كاترين جنوبا إلى العريش شمالا فتوجد بها قوات حرس الحدود المصرية، وهي قوة مسلحة تسليحا خفيفا. أما المنطقة «ج» فهي تمتد من شرم الشيخ جنوبا إلى رفح شمالا، وهنا في شرم الشيخ تتلاصق المنطقتان «أ»، و«ج» حيث تبدأ المنطقة «ب» عند سانت كاترين شمال شرم بقليل.
كانت مهمتي هي العمل مع القوة متعددة الجنسيات بمثابة ضابط اتصال مصري يطير معهم كل يوم اثنين في طائرات الهليكوبتر الخاصة بهم في مهمة استطلاع على قطاع بعينه في المنطقة «أ» أو «ب»، أو «ج»، وكنا ننزل على الأرض يوم الخميس بالسيارات في مهمة التفتيش على أعداد القوات ونوعية الأسلحة، لتسجيل ما إذا كانت هناك خروقات مصرية للملحق العسكري لاتفاق كامب ديفيد أم لا. وكان الشيء نفسه يحدث على الجانب الإسرائيلي مع ضابط اتصال إسرائيلي مرافق. النقطة هنا هي أن مهمات التفتيش والاستطلاع من الجو هذه والتي تشمل كل سيناء جعلتني أعرف المنطقة كاملة كما أعرف اسمي. وربما لهذا السبب والتجربة قررت أن أختار الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية، بعدها درست سيناء في إطار العنف السياسي وعلاقته بالأمن الإقليمي كباحث محترف، ومن هنا تأتي الخبرة التي هي ليست مجرد رأي حول سيناء أو معرفة منطقة منها، وتعميم الحكم على بقية المناطق رغم الاختلاف القبلي بين بدو الجنوب باتجاه شرم الشيخ وبدو الوسط عند منطقة نخل (بكسر النون) والحسنة (بفتح الحاء والسين)، واختلافهم عن العريش والشيخ زويد ورفح وبئر العبد.
الجزئية الخاصة بالقبائل السيناوية تخص ما يمكن تسميته بالحاضنة الشعبية للإرهاب، وتخص مدى قدرة الدولة المصرية على دمج الموطن السيناوي وصهره في بوتقة الوطنية المصرية، وهذا يتطلب عملا سياسيا وتنمويا ما زال حتى الآن يعاني من قصور شديد، خصوصا أن مشروع تنمية سيناء شمالا وجنوبا تم تسليمه لرجال أعمال قادمين من الوادي، أي من بقية مصر وليسوا من سيناء، وبالتالي لم يحس السيناوي بأنه له سهم في استقرار منطقته، فمعظم أهل المنطقة إما يعملون في الحراسات أو في التهريب كمصدر رزق. وهم ضحية جاهزة لأي جماعة أو شخص يتاجر بمظالمهم. ولهذا ربما لا ترشد بعض القبائل عن الجماعات الإرهابية.
الجزء الثاني يخص مجابهة هذا التطرف،


المصدر صحيفة الشرق الاوسط

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى