مقالات وآراء

دعاء حسن تكتب: مسلسل”لام شمسية” لا مسكوتاً عنه اجتماعياً..فمتي لا يكون هناك مسكوت عنه سياسيًا؟

في مواجهة “البيدوفيليا”: الدراما ترفع الغطاء عن المحرَّم


للمرة الأولى، تضع دراما مصرية إصبعها على أحد أكثر المواضيع وجعًا، وأشدها حساسية: ظاهرة التحرش بالأطفال، أو ما يُعرف بـ”البيدوفيليا”.مسلسل لام شمسية لا يكتفي بالإثارة ولا ينزلق إلى الاستغلال الدرامي الرخيص، بل قدّم معالجة رفيعة، مبنية على وعي علمي، وحرفية إخراجية، وأداءات تمثيلية تحترم عقول وقلوب الجمهور، في هذه السطور التالية ،سأحاول بمشاعر الام ، وبرؤيه وعين المشاهد، أن أضع ، خمسة نقاط فوق الحروف ، قبل أن تضيع الملامح ، وسط ضجيج دراما رمضان

اولا:{لطفل يوسف: البراءة في مواجهة الوحش المريض}

الدور الذي قدّمه الطفل علي البيلي في شخصية “يوسف”، لا يُقاس فقط بشجاعته في أداء مشهد مركب نفسيًا، بل بقدرته المذهلة على تجسيد الألم دون افتعال، والانكسار دون مبالغة، والبراءة في صمت ، دون أن تفقد لحظتها الطفولية.فقد عبّر الطفل عمّا عجزت مناهج التربية والتوعية عن قوله، وكان أداؤه مفاجئًا في نضجه، بل باعثًا للتأمل في قدرة طفل موهوب أن يسبق أحيانًا في أداء دوره نجوم محترفين.

ثانيا{علي قاسم: المعالج النفسي الذي لا يمثل، بل يعالج}

يأتي الفنان المهندس علي قاسم، في دور المعالج “رامي”، ليضرب مثالًا راقيًا لأداء مهني محترم لا يُكثر من الإيماء ولا يستعرض عضلات درامية، بل يُقدّم نموذجًا لوعي متخصص يتعامل مع أزمة من هذا النوع، دون إصدار أحكام، أو الوقوع في فخ التنظير. هذا الدور، على أهميته الرمزية، كان يمكن أن يُغفل، لولا الأداء الذكي لهذا الفنان، الذي وإن قلّت أعماله، فقد أثبت أنه من طراز الممثلين الذين يُراهن عليهم في أدوار مفصليه.

ثالثا {مينة خليل وأحمد السعدني:و الزلزال العائلي}

الازدواج النفسي، والارتباك الداخلي، والانهيار العاطفي.. كلها حالات انزلقت إليها شخصية “نيللي” ببراعة أمينة خليل، التي قدمت واحدة من أقوى أدوارها، وأكثرها إنسانية ونضجًا.

أما أحمد السعدني، فكان تجسيده للأب المصدوم، المتأرجح بين الحب والخذلان والغضب، مزيجًا ناضجًا يستحق التحية، وأكّد أن المسلسل لم يكن رهانًا على قضية فحسب، بل على أداءات درامية محترفة.

رابعا {كتابة مريم نعوم.. بحبر الصدمة والرحمة معًا}
نص مريم نعوم (ورشة سرد) كُتب كأنه شهادة واقعية موجعة من داخل مجتمعنا، دون خطابية، ودون تزييف. بلغة تحمل في طيّاتها الأمومة، والإنسانية، والغضب من السكوت الموروث، رسمت خطوط المعاناة اليومية التي قد لا نراها، لكنها تفتك من تحت السطح.

خامساً:-{المخرج كريم الشناوي: المعالجة بلا شطط أو ابتذال}

أدار كريم الشناوي العمل بأناة ووعي بالغ بحساسية القضية. فكانت الكاميرا قريبة بما يكفي لترى التفاصيل، وبعيدة بما يكفي لتحترم المساحة النفسية للمشاهد والمجتمع. المشاهد التي حملت التوتر لم تَسقُط في فخ الاستعراض،
بل جاءت في سياق درامي متماسك، مدعوم برؤية تربوية وإنسانية واضحة.

واخيرا:-{المسكوت عنه… لم يعد كذلك}

هذا المسلسل، في تجرّئه على طرح قضية بهذا القدر من التعقيد الاجتماعي، كسر الحواجز التي طالما منعت الفن من أن يكون في قلب المعركة الأخلاقية للمجتمع. كان هناك من يعتبر الحديث عن هذه الجرائم وكشفها دراميًا “مجازفة”، لكنه الآن يقرّ أنها ضرورة.

الدراما المصرية، التي طالما انشغلت بالمكرّرات وتغييب الوعي، بدأت تستعيد عافيتها، حين قرّرت أن تحمي الطفل لا أن تُخفي ألمه. وبين يوسف الذي نجا، و”رامي” الذي احتوى، و”نيللي” التي صرخت، أصبح من الممكن أن نصدّق أن الفن قد ينقذ، وأن المسكوت عنه لم يعد مسكوتًا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى