
في تطورٍ لافتٍ يعكس تحوّل المزاج السياسي في شمال قبرص التركية، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوز زعيم الحزب الجمهوري التركي طوفان أرهورمان في الانتخابات الرئاسية بنسبةٍ تجاوزت 62% من الأصوات، متقدّمًا على الرئيس المنتهية ولايته إرسين تتار المعروف بمواقفه الصلبة تجاه مشروع “الدولتين المستقلتين”.
هذا التحول، الذي وصفته وكالة رويترز بأنه “نقطة انعطاف في الملف القبرصي”، لا يقتصر على تبدّلٍ محلي في القيادة، بل يحمل أبعادًا إقليمية تمسّ تركيا مباشرةً، وتنعكس على مجمل الصراع في شرق المتوسط.
يُعد فوز طوفان أرهورمان مهماً لأنه يعكس تغيّراً في المزاج السياسي لدى الناخبين الأتراك القبارصة، حيث اختاروا زعيماً أكثر ميلاً للتفاوض والمقاربة الأوروبية- التوافقية بدلاً من التصعيد والانفصال الصارم.
يُفتح احتمال إعادة مسار المفاوضات حول القضية القبرصية التي تُعد من أقدم النزاعات في منطقة البحر المتوسط، ما قد يؤثر على العلاقة بين شمال قبرص، تركيا، والاتحاد الأوروبي.
أيضا هذا الفوز قد يُعد رسالة إلى أن المجتمع في شمال قبرص يفضل التخفيف من العزلة والسياسات المتشددة، والانفتاح أكثر على الحوار والمشاركة الدولية.
“بين أنقرة وليفكوشا.. لغة جديدة بلا قطيعة”
الرئيس المنتخب أرهورمان يُعدّ من رموز التيار البراغماتي الذي يدعو إلى استئناف مفاوضات الحل الفيدرالي مع القبارصة اليونانيين، في إطار الأمم المتحدة، مع التأكيد على أن “العلاقة مع تركيا تبقى ركيزة أساسية للأمن والاقتصاد”.
وفي المقابل، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تهنئته، مؤكدًا “دعم إرادة الشعب القبرصي التركي”، في رسالةٍ تُفهم على أنها استعدادٌ للتكيّف مع النهج الجديد دون التراجع عن الثوابت الأمنية لأنقرة في الجزيرة.
ويرى محللون أتراك أن هذا التوازن بين “المرونة السياسية” و”الضمان الأمني” قد يمنح أنقرة مساحة مناورة أوسع أمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللتين تدعوان منذ سنوات إلى عودة المفاوضات المتوقفة منذ 2017 (الأناضول، الغارديان).
هذا التحول له انعكاسات على حرب المتوسط وصراع الطاقة حيث يشكّل فوز أرهورمان فرصةً لإعادة ترتيب الأوراق في ملف الغاز شرق المتوسط.
فالقضية القبرصية تعيق منذ عقدٍ كامل مشاريع تصدير الغاز نحو أوروبا.
ويرى خبراء الطاقة أن انفتاح الإدارة الجديدة في الشمال على الحوار يمكن أن يفتح الباب أمام مشروعٍ تركي – أوروبيلنقل الغاز عبر الأراضي التركية، ما يعني تقليل اعتماد أوروبا على الممرات الإسرائيلية واليونانية.
لكنّ هذا السيناريو لا يزال هشًّا، إذ ستسعى اليونان وإسرائيل ومصر إلى تحصين اتفاقاتها السابقة لحرمان أنقرة من استعادة دورها كمركزٍ إقليمي للطاقة (رويترز، يورونيوز).
فى نفس الوقت توجد فرص مكاسب دبلوماسية محتملة لأنقرة على الصعيد السياسي، يُرجَّح أن تُوظّف تركيا هذا التحول لتخفيف الضغوط الأوروبية عليها في ملف حقوق الإنسان والعلاقات الجمركية، وإظهار نفسها كطرفٍ “معتدلٍ وشريكٍ في الحلّ لا العقبة”.
كما يمكن لأنقرة أن تستثمر شخصية أرهورمان القانونية والأكاديمية في بناء قنوات دبلوماسية أكثر قبولًا في بروكسل، مقارنةً بخطاب تتار الصدامي الذي ارتبط في الإعلام الغربي بخطاب “العزلة والانفصال”.
“بين الصراع الإقليمي وفرص الهدوء”
فوز القيادة الجديدة لا يعني بالضرورة نهاية التوتر في شرق المتوسط، إذ ما تزال ملفات ترسيم الحدود البحرية والتسليح في قبرص الجنوبية مفتوحة.
وتشير مصادر دبلوماسية أوروبية إلى أن أي انفراجٍ حقيقي يتطلب “صفقةً متوازنة” تشمل تركيا واليونان وليبيا، وليس فقط شطري الجزيرة (فايننشال تايمز، دير شبيغل).
لكن المؤكد أن أنقرة تمسك الآن بفرصةٍ نادرة لتبديل إيقاع الصراع دون التنازل عن جوهر مصالحها الاستراتيجية، من خلال إدارةٍ أكثر مرونة وأقل صدامية في الملف القبرصي.
“ما وراء الفوز”
يرى مراقبون أن نتيجة الانتخابات تعبّر عن إرهاقٍ شعبي من العزلة السياسية والاقتصادية التي يعانيها شمال قبرص منذ عقود، ورغبةٍ متزايدة في الانفتاح على أوروبا والعالم الإسلامي في آنٍ واحد.
وفي الوقت ذاته، تشكّل رسالة إلى أنقرة بأنّ “الضمانة التركية” لا تُرفض، لكنها تحتاج إلى تحديث في الشكل واللغة والممارسة بما يحفظ استقلال القرار القبرصي ويعزز النفوذ التركي الإقليمي.
“خلاصة”
فوز طوفان أرهورمان ليس حدثًا محليًا معزولًا، بل مؤشرٌ على مرحلةٍ سياسيةٍ جديدة في شرق المتوسط، قد تفتح الباب لتفاهماتٍ أوسع بين أنقرة وبروكسل، وتُعيد رسم خريطة التحالفات حول الغاز والطاقة في المنطقة.
لكن النجاح سيعتمد على قدرة تركيا على إدارة هذا التحول بعقل الدولة لا بعاطفة الصراع، وعلى وعي القيادة الجديدة في شمال قبرص بأنّ الاعتدال لا يعني التفريط، وأنّ السلام لا يتحقق إلا من موقع القوة.
وبالتالى ماحدث من تحول هام جدا وتطور دراماتيكي يواجه الرئيس أردوغان.. قبرص هامه جدا من الناحية الجيوسياسيه للسيطرة على شرق المتوسط وللحفاظ على الأمن القومي التركي والتهديد القادم له من اليونان والكيان الصهيوني.
قبرص شديدة الأهمية للكيان لأنها تعتبر جناحه الشرقي ومحطة إمداد ودعم له وقد مارست هذا الدور تاريخيا منذ الحروب الصليبية قديما.
إنها الأصابع الأمريكية الأوربية الصهيونية بدأت في التسلل إلي أعماق أعماق تركيا ومحاولة العبث فيها







