مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: قافلة “الصمود” البحرية.. أمواج من التضامن تصطدم بجدار الاعتقال

في ساعات الفجر الأولى من يوم 2 أكتوبر 2025، تحولت رحلة أمِل أن تكون شريان حياة لأهالي غزة، إلى مشهد لعمليات عسكرية معقدة في المياه الدولية.

“قافلة الصمود” البحرية، التي ضمت نشطاء وحقوقيين وأطباء من جنسيات متعددة، وجدت نفسها محاطة بالسفن الحربية، لتنتهي الرحلة الإنسانية حيث تبدأ عادةً رحلة أخرى من التحقيقات ، والاعتقالات ، والترحيل.

الحادثة أعادت إلى الواجهة الجدل القديم-الجديد حول شرعية الحصار البحري وحدود الحق في تقديم المساعدة الإنسانية.

وكانت تفاصيل الاعتقال هي عملية عسكرية سريعة في المياه الدولية بحسب البيانات الأولية من المنظمين والرواية الرسمية للجيش الإسرائيلي، حدثت المواجهة على بعد نحو 100 ميل بحري غرب شواطئ غزة.

كانت القافلة مكونة من ثلاث سفن مدنية تحمل أعلاماً لدول أوروبية، وتقل ما يزيد عن 50 متطوعاً، بينهم شخصيات عامة ونشطاء حقوقيون بارزون، بالإضافة إلى شحنات من الأدوية الأساسية والمواد الغذائية والمستلزمات الطبية.

ذكر بيان لجيش الاحتلال أن وحدات من البحرية “وبعد محاولات متعددة لإقناع سفن القافلة بتغيير مسارها، نفذت عملية للسيطرة عليها بعد التأكد من أنها محاولة اختراق الحصار البحري المفروض قانوناً على قطاع غزة”.

وأضاف البيان أن العملية “تمت دون وقوع إصابات”، وتم نقل المتطوعين إلى ميناء أشدود للتحقيق معهم.

من جهتها، وصفت اللجنة المنظمة للقافلة العملية بأنها “قرصنة قانونية” و”انتهاك صارخ للقانون الدولي”.

وقالت احدي الناشطات ، في اتصال هاتفي سريع قبل قطع الاتصال: “كنا في مياه دولية. هدفنا كان سلمياً وإنسانياً بحتاً.

ما حدث هو خطف لأشخاص متضامنين يريدون فقط كسر الحصار عن 2.3 مليون إنسان”.

وكالعاده هناك صمت دولي وغياب للضمانات على عكس الحوادث المماثلة السابقة، جاءت ردود الفعل الدولية على الاعتقالات “خجولة” حتى اللحظة.

اكتفت الأمم المتحدة بـ”التعبير عن القلق” ودعت “جميع الأطراف إلى ضمان سلامة الأفراد والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية “.

بينما دعت دول عربية وإسلامية إلى “إطلاق سراح المتطوعين فوراً وكسر الحصار غير الإنساني عن غزة”.

في المقابل، دعمت حلفاء رئيسيون لإسرائيل موقفها الأمني، معتبرين أن “للدول الحق في الدفاع عن حدودها ومنع دخول الكيانات غير المرخصة”، مع إبداء “قلقهم” على الوضع الإنساني بشكل عام.

حادثة قافلة الصمود ليست سابقة.

فمنذ حادثة أسطول “مافي مرمرة” في 2010، تتكرر هذه السيناريوهات بشكل دوري، مما يكشف عدة حقائق عن استمرار فشل الآليات الدولية و يعكس هذا التكرار عجز المنظمات الدولية والقوى الكبرى عن إيجاد آلية دائمة وفعالة لإدخال المساعدات إلى غزة أو الضغط لإنهاء الحصار، مما يدفع بالمبادرة المدنية إلى المقدمة.

الأبعاد الإعلامية والسياسية تدرك الجهات المنظمة أن القيمة الأساسية لهذه القوافل ليست فقط في وصول المساعدات المادية، بل في كسر حصار الإعلام العالمي وإعادة القضية إلى واجهة الاهتمام.

تؤكد الحادثة أن الوضع في غزة لا يزال رهينة للجمود السياسي الشامل، وأن أي محاولة لتغيير الواقع على الأرض، حتى لو كانت سلمية وإنسانية، تواجه بالقوة.

غادر متطوعو “الصمود” سفنهم، وسينتهي الأمر بترحيل معظمهم إلى دولهم.

والمساعدات التي كانت تحملها السفن ربما ستتعفن في مستودعات ميناء أشدود.

لكن الرسالة التي حملوها قد تكون وصلت، ولو للحظة، إلى ضمير العالم.

الحادثة تثبت أن “قافلة الصمود” لم تكن مجرد رحلة عابرة، بل كانت تصريحاً واضحاً بأن الحصار، رغم قسوته، لم ينجح في كسر إرادة التضامن.

السؤال الذي تتركه الأمواج خلفها هو كم قافلة أخرى يجب أن تُعتقل، وكم متطوع يجب أن يُختطف، قبل أن يتحول هذا التضامن إلى سياسة فاعلة تُنهي أكبر سجن مفتوح في العالم؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى