مقالات وآراء

مي عزام تكتب: كسر حلقة التكرار.. نحو وعى مصري جديد

1. أزمة التكرار: يوم لا يتغير

هناك فيلم أمريكى أكن له إعجاباً شديداً، وهو فيلم «Groundhog Day».

فى هذا الفيلم، يجد البطل، وهو مذيع نرجسى، نفسه سجين حلقة زمنية مغلقة، حيث يعيش نفس اليوم مراراً وتكراراً.

ينجح فى الإفلات من لعنة التكرار الأبدى فقط حين يتعلم كيف يستفيد من هذا التكرار فى تنمية مهاراته وتطوير ذاته والتخلص من عيوبه الشخصية التى كانت سبباً لنفور الناس منه.

فى مصر، لدينا على سبيل المثال لا الحصر «يوم التكرار» الخاص بنا. إنه 28 سبتمبر، تاريخ وفاة عبدالناصر.

يوم يتكرر كل عام حرفياً، حيث يغرق المصريون فى طوفان من الجدال حول الزعيم الذى رحل عنا منذ 55 عاماً، بين مؤيدٍ يعتبره زعيماً منتصراً رغم الهزائم، ومعارضٍ يراه زعيماً فاشلاً رغم الإنجازات.

لم نستطع، رغم مرور 50 عاما، أن نكسر لعنة التكرار لأننا لم نستفد من الأمر فى تطوير الوعى العام بعهد عبدالناصر وما تلاه من رؤساء. نحن مصرون على أن نكون دعاة خلاف لا اتفاق، نطبق معايير «سرير بروكست» على الجميع دون تمييز.

المؤيد لا يرى فيمَن يؤيده نقيصة، والمعارض لا يجد فيمَن يعارضه ميزة.

وهذا الاستقطاب تعمق بعد ثورة يناير 2011، ومازلنا نعيشه حتى هذه اللحظة، وللأسف يغذيه الإعلام العام والشعبى المتمثل فى منصات التواصل الاجتماعى.

2. من «هتاف الصامتين» إلى «ضجيج الصائحين»: ماذا حدث للمصريين؟

فى عام 1971، قدم عالِم الاجتماع «سيد عويس» دراسة اجتماعية لظاهرة الكتابة على هياكل السيارات والمركبات فى مصر، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن هذه العبارات كانت بمثابة «هتاف الصامتين»، أولئك البسطاء الذين لم تُمنح لهم مساحة للتعبير عن أنفسهم، فحاولوا البوح عن مكنونات أنفسهم ومعتقداتهم وخبرتهم فى الحياة عبر تلك الكتابات.

بعد ثورة الاتصالات ووجود الهواتف الذكية فى أيدى الجماهير الغفيرة، تحول الأمر إلى العكس، لم يعد هناك «صامتون»، بل هناك شعور عام بأن كل فرد يملك إعلامه الخاص، يمكنه كسر حاجز الصمت بضغطة على هاتفه، ليصبح على الهواء مباشرة، ويبوح بما يشاء دون ضابط أو رابط.

هذا التحول الجذرى يستحق جزءاً ثانياً لكتاب د. جلال أمين الشهير «ماذا حدث للمصريين؟» الذى رصد التغيرات فى المجتمع المصرى من 1945 حتى 1995.

نحن فى أمَسّ الحاجة إلى دراسة اجتماعية ترصد التغيرات خلال ربع قرن (2000- 2025) لندرك حجم التحول المذهل فى هيكل المجتمع المصرى: تغيرات طبقية، وفى السلم القيمى، وتفاصيل الحياة اليومية.

والمفترض أن يكون ذلك جزءاً من اهتمام الإعلام الرسمى.

حياة المصريين ليست مجرد خبر يُقرأ فى نشرة أخبار أو يتم التعليق عليه فى برامج «التوك شو»، لكنها أكبر من ذلك؛ إنها تفاصيل حياة نعيشها كل يوم، توجه مسارنا وتفكيرنا وانحيازاتنا.

وهنا يكون دور الإعلام الرشيد: توجيه الرأى العام نحو التطور النفسى والتقدم على جميع المستويات الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وليس اجترار الماضى ومحاربة طواحين الهواء.

الرئيس السيسى يتحدث عن مصر «جديدة حديثة»، وهذه الحداثة لا بد أن يواكبها تحديث وعى المصريين، وإلا فلن نتمكن من إنجاز تقدم حقيقى. وستظل هناك فجوة هائلة بين حداثة البناء وسلفية الفكر، مما يخلق مجتمعاً مزدوج المعايير.

3. «ويبقى الحال على ما هو عليه»

أستعير هنا عنوان مقال للمهندس «صلاح دياب»، فقد كثر الحديث عن تطوير الإعلام وتشكلت لجان متعددة لذلك، ولا شىء تغير.

والسبب أن: مفهوم التطوير نفسه وأهدافه غائبة، فالتطوير ليس تغييراً فى الشكل أو الأشخاص، بل هو تحول فى الرؤية والرسالة.

أن يتحول الإعلام من أداة لتكريس الواقع إلى قاطرة لتطوير الوعى، ومن منبر للخطاب المكرر إلى ساحة للحوار العقلانى المبدع الناقد من أجل البناء.. وللحديث بقية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى