بيان من حزب غد الثورة : نرفض قانون الإجراءات ونحذر من قانون الإيجارات

في مشهدٍ برلماني باهت، ومشهد سياسي أكثر بؤسًا، مرّر مجلس النواب قانونًا يُفترض أنه ينظّم الإجراءات الجنائية، فإذا به ينحر العدالة، ويُفرغ الدستور من مضمونه، ويكرّس هيمنة السلطة التنفيذية والأمنية على ما تبقّى من ملامح دولة القانون.
يرفض حزب غد الثورة الليبرالي المصري، بشكل قاطع وجازم، هذا القانون المُعيب الذي جاء لا ليُصلح منظومة العدالة، بل ليمدّ في عمر القمع، ويُشرعن عسكرة القضاء، ويُقنن تحوّل أجهزة الأمن إلى قضاة وضباط ضبط ومُشّرعين في آن واحد.
هذا المشروع يتعارض بوقاحةٍ مع نص المادة (94) من الدستور التي تنص على أن “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة”،
ويتنافى مع المادة (95) التي تؤكد أن “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي”، والأخطر أنه يدوس على جوهر المادة (96) التي نصّت على “أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تُكفل له فيها ضمانات الدفاع”.
لم يكن الهدف من المشروع إعادة الاعتبار للمواطن في وجه التعسف، بل إعادة تأهيل أدوات السلطة لشرعنة الاستبداد.
فالتوسع المريع في صلاحيات الضبط الإداري، وتمكين موظفين غير قضائيين من اتخاذ قرارات تمسّ الحرية الجسدية والمعنوية للمواطنين، هو عدوان سافر على الحق الدستوري في الحرية والأمان الشخصي (م.54)، واغتيال متعمّد لمبدأ الفصل بين السلطات (م.184-186).
أخطر ما في هذا القانون أنه يحاصر الدفاع، ويُضيّق على المحامين، ويمنح النيابة سلطات مطلقة في الحبس والتنكيل، في انتهاك صريح للمادة (198) التي نصت على أن “المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وسيادة القانون، وكفالة حق الدفاع”.
القانون المُقَرّ لا يواكب المعايير الدولية، ولا يُراعي التزامات مصر بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يُعد مُقدّمًا على التشريعات الداخلية وفقًا للمادة (151) من الدستور، والتي تُلزم الدولة باحترام الاتفاقيات الدولية التي صدّقت عليها. بل إن هذا القانون يضع مصر في مرمى انتقادات دولية جديدة، ويُعمّق عزلتها الحقوقية.
يُدرك حزب غد الثورة أن النظام لم يعد يحتمل صوتًا معارضًا، ولا نفسًا حرًا، ولا محاميًا شجاعًا، فجاء بهذا القانون كأداة انتقام جديدة ضد المعارضين والمدافعين عن الحريات. ومع ذلك، فإن تمريره بهذا الشكل هو فضيحة سياسية ودستورية وأخلاقية كاملة الأركان.
نطالب بعدم التصديق على هذا القانون، وندعو السيد رئيس الجمهورية، إن تبقّى لمقام الرئاسة قدرٌ من الاستقلال، إلى إعادته للبرلمان لمراجعته ضمن حوار مجتمعي شامل، يشمل نقابة المحامين، وممثلي السلطة القضائية، والمنظمات الحقوقية، وكل من يعنيه أمر مصر العادلة.
كما يُحمّل حزبنا الأغلبية البرلمانية المزوّرة سياسيًا، والمُصطفة تحت راية السلطة لا الشعب، المسؤولية الكاملة عن تمرير هذا المسخ التشريعي، الذي يُعيد مصر إلى ما قبل دستور 1923 لا ما بعد ثورة يناير.
العدالة ليست مادة تُفصّل في غرف مغلقة، ولا تُقاس بنسبة الحبس بل بدرجة الحرية. والحق لا يُستعاد بقوانين تُقنّن القمع، بل بقضاء مستقل وضمير حي.
إننا نعلن بوضوح لا لبس فيه: هذا القانون باطلٌ سياسيًا، ساقطٌ دستوريًا، مرفوضٌ وطنيًا. وسنُقاومه بكافة الوسائل السياسية والقانونية والدولية المتاحة حتى إسقاطه.
كما يُعبّر الحزب عن بالغ القلق إزاء مشروع قانون العلاقة بين المالك والمستأجر المُتداول حاليًا، والذي يمثل خطرًا داهمًا على استقرار المجتمع، لما يحمله من مواد تُمهّد لكارثة اجتماعية حقيقية، بمنح المالك صلاحية إنهاء العلاقة الإيجارية وطرد المستأجر بعد خمس سنوات من التطبيق، دون أن تُقدّم الدولة أي بدائل أو مظلة حماية للفئات الأضعف.
إن نصوص هذا المشروع تنتهك مبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور، وتهدر الحق في السكن الآمن الذي كفلته المادة (78)، وتُهدّد أمن الأسرة والاستقرار المجتمعي، بما يتجاوز العلاقة التعاقدية إلى عمق التماسك الاجتماعي.
وبينما يُقر الحزب بوجود مظلمة تاريخية للمُلاك نتيجة سياسات الدولة السابقة، إلا أن العدالة لا تُبنى على أنقاض المساكين، ولا تُمارَس بردّ الظلم بظلمٍ مضاد. فحل الأزمة السكنية لا يتم عبر الإخلاء القسري، بل بتحمل الدولة لمسؤوليتها الاجتماعية في توفير السكن اللائق لمحدودي الدخل، وفقًا لالتزاماتها الدستورية.
يدعو الحزب إلى سحب هذا المشروع فورًا، وطرحه في إطار حوار مجتمعي شامل ومتوازن، يضمن حقوق جميع الأطراف، ويرسّخ مبادئ الإنصاف والاستقرار.
ويحذر الحزب من تداعيات كارثية، في حال إقرار القانون بصيغته الحالية، سواء على صعيد النزوح الحضري، أو تصاعد التوترات الاجتماعية، أو اتساع فجوة الثقة بين المواطن والدولة
حزب غد الثورة الليبرالي المصري
5 مايو 2025
رئيس الحزب
د.ايمن نور