مقالات وآراء

د.عبد الفتاح طوقان : مذكرات الملك طلال. بين الحقيقة والإدعاء

تعتبر مذكرات الملك طلال التي نشرت لأول مره عام ١٩٦٢ من قبل مؤسسة روز اليوسف المصرية من الوثائق التاريخية المهمة التي تسلط الضوء على فترة حساسة من تاريخ الأردن والمنطقة لا بل هي الوثيقة الوحيدة خصوصا مع منع نشر مذكرات شوكت الساطي طبيب الملك و مذكرات بهجت التلهوني رئيس وزراء الأردن الاسبق وحتى ما نشر من قبل بعض رؤوساء الوزراء والذى تغافل ناشروها (وهم كثر)عن ذكر وقائع سردية .

. ومع ذلك، وفي بودكاست حمل عنوان “عبد الناصر وفشل الوحدة / ملك لم ينصفوه وأخر شوهوا سمعته” ردّ الدكتور علي محافظة استاذ التاريخ ومؤسس جامعة مؤته على سؤال مدير البودكاست الدكتور مهند احمد سالم مبيضين  وزير الاتصال الحكومي السابق في الاردن ان كان للملك طلال مذكرات فقال : (لا الو مذكرات ولا الو شي ….. انا اعتقد انها كلها مشوهة … صناعة مصرية). وهو ما دفعني للتعليق على كلامه بما يلي :

من اين اتى الدكتور محافظة برده اولا؟ وإذا كان لديه مصدر موثق عن الملك طلال فليتفضل ويذكره، وذلك من بديهيات النشر للمختصين وللعامة خصوصاً كونه استاذ تاريخ مفترض به الإلتزام بالدقة العلمية، وبالنقل الامين للأحداث والتوثيق والأرشفة . وفي غياب ذلك لا يعدو ما ذكره الدكتور محافظة عن وصفه “بادعاء”. وهو ما يثير العديد من التساؤلات عن الهدف من ذكر ان الملك طلال لم يترك مذكرات. 

وجدير بالذكر أن الدكتور محافظة لم يكن بلغ سن الرشد في الخمسينات عندما غادر الملك البلاد عام ١٩٥٢ إلى مصر أولاً. ورغم حداثة سنه عندما وقعت الأحداث موضوع تعليقي نرى ونسمع الدكتور محافظة يتحدث عنها بثقة تنقصها المرجعية المعتمدة علمياً أو مصدر تاريخي لا تشوبه شائبة. ومن أكثر كفاءة منه في تحديد أي منهما؟ وهو الذي قطع أشواط الدراسات العليا في إحدى الجامعات الفرنسية المستقلة التى تشكل جزءا من تحالف جامعة السوربون المرموقة في قلب الحي اللاتيني بباريس و المتخصصة في العلوم الإنسانية و الاجتماعية، وتأهل للتدريس في جامعتنا الأم وترقى إلى مرتبة أستاذٍ ثم عهد اليه بتأسيس الجامعة الثالثة في البلاد وواصل التدريس إلى أن تقاعد وخلفه من الإنجازات ما يفتخر به.

وأتساءل: هل يتماشى ما يطالب به الدكتور محافظة لقب “مؤرخ” مع ما ادعاه في مسألة مذكرات الملك طلال؟ وأدعي حقي في هذا التساؤل كوني شاهد على وجود تلك المذكرات منذ كنت شاباً يافعاً في منزل عمي صبحي طوقان مرافق الملك إذ كان يكتب ما يملي عليه صاحبها. فإن استحق الدكتور محافظة ما يريده من لقب فعليه أن يأتي بمرجع معتمد يؤيد ما ادعاه ليصبح معقولاً. وسوى ذلك يعرض الدكتور محافظة نفسه لعدة تساؤلات عن استعداده لقلب الخيال الى حقيقة لا تعتمد علي الواقع و الحقائق، والادعاء إلى وقائع تاريخية.

ويتبع ذلك سؤال ينتظر جوابه: لماذا عوقب مرافق الملك طلال بإصدار حكم الإعدام عليه؟ وهو الأكثر حرصا علي الملك طلال و المدافع عنه ، وهو الذي رافق الملك ست سنوات في مستشفى باستانبول وست أشهر في مستشفى في سويسرا؟ و قبلها في مستشفى بهمان للدكتور فتحي لوزا خريج كلية فيكتوريا ( وشقيقته   هي السيده يسريه لوزا التي هي ام عائلة ساويرس المصرية للعلم) وعفا عنه الملك الراحل الحسين عام ١٩٦٤؟ فسؤال كهذا يقود إلى الشك في مصداقية ما ادعاه الدكتور محافظة، بل إلى مخالفته للحقيقة.

يقال ان الجهل البسيط يعني أن الشخص يدرك جهلَه، بينما الجهل المركب يكون عندما يعتقد الشخص أنه عارف وهو في الحقيقة لا يدري أنه لا يدري. وأترك للغير تحديد أي صنف تستحق هذه الحالة التي خلقها الدكتور محافظة.

وأود أن أؤكد أن مذكرات الملك طلال، التي تم نقلها بناءا على طلب الملك طلال وهو في مشفاه بتركيا توثيقها بواسطة مرافقه المقدم صبحي طوقان، صحيحة وكاملة. وقد قام الصحفي المصري المعروف ممدوح رضا بتحريرها ونقلها بأمانة وقت كان الكاتب احسان عبد القدوس ابن الصحفية روز اليوسف  رئيس تحرير المجلة ( تولى رئاسة التحرير من عام ١٩٤٥ الي عام ١٩٦٤). 

وبالتالي، فإن ادعاء الدكتور محافظة أنها تخريجة مصرية هو ادعاء خارج على النص، وهو ايضاً ليس في التاريخ من شيء.

وللمقارنة أذكر ان المخابرات الأمريكية كان لها دور في إحباط محاولة الانقلاب العسكري الذي كان يستهدف الملك الحسين عام ١٩٥٧ بينما عملت المخابرات البريطانية على التخلص من الملك طلال عام ١٩٥٢، كما تشير إلى ذلك العديد من الكتب الأمريكية والوثائق البريطانية.

وفي الختام يبدو أن ما قاله الدكتور محافظة ليس سوى هفوة تتطلب منه مراجعة دقيقة. فمن المهم أن نتعامل مع التاريخ بتجرد وبموضوعية وأن نعتمد على الأدلة الموثوقة بدلاً من الخيالات الشخصية.

فطريقة طبيخ التاريخ بدون اصول و دسم تسبب ارتفاع الكوليسترول الاخلاقي وهي يعمل المختصون على تجنبها لما لها من تأثير على سمعة الجامعات التي حصلوا منها على شهاداتهم وبخلاف ذلك كما يقولون ” خربت الطبخة يا محافظة”. وقانا الله الانزلاق وحمانا من النفاق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى