مقالات وآراء

مصباح العلي يكتب : زيارة البابا إلى لبنان في مهبّ الريح؟

تتراجع الآمال المعلّقة على الزيارة المرتقبة لرأس الكنيسة الكاثوليكية، البابا فرنسيس، إلى لبنان في 28 من الشهر الحالي، مع ازدياد القلق من التصعيد الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية وتداعياته المباشرة على أمن البلد.

هذا المناخ المتوتر يتقاطع مع إشارات سلبية أرسلتها واشنطن في الساعات الأخيرة، أبرزها إلغاء برنامج زيارة قائد الجيش إلى الولايات المتحدة، والضغوط المالية التي حملها وفد وزارة الخزانة الأميركية، وصولاً إلى الجفاء الذي ظهر بين الموفدة الأميركية مورغان أورتاغس ورئيس الجمهورية، في مؤشر إضافي على البرودة السياسية الأميركية تجاه بيروت.

في خلفية هذه الرسائل، تبدو واشنطن واضحة في هدفها: محاصرة نفوذ حزب الله وتجفيف مصادر تمويله. وفي المقابل، رفع الحزب سقف خطابه معلناً أنه ذاهب إلى مواجهة “كربلائية” مع الولايات المتحدة، ما يعكس دخول العلاقة بين الطرفين مرحلة أكثر حدّة.

وسط هذا المشهد، تزداد المخاوف من أن تكون زيارة البابا فرنسيس جزءاً من لعبة عضّ الأصابع. فبحسب تقارير ديبلوماسية متقاطعة، قد تفكّر إسرائيل في إفشال الزيارة عبر عمل عسكري قبل موعدها، بما يشكّل ضربة معنوية للبنان ويزيد من عزلته الدولية.

فزيارة بهذا الحجم كانت ستمنح لبنان جرعة استقرار معنوي ورسالة إيجابية إلى العالم بأن البلد ما زال قادراً على احتضان حدث عالمي رفيع. أي ضربة إسرائيلية الآن تعني العكس تماماً: لبنان غير آمن، ومؤسساته عاجزة عن ضمان الحدّ الأدنى من الاستقرار.

وتقرأ تل أبيب الزيارة أيضاً في بعدها السياسي الداخلي، إذ قد تمنح فرصة لتهدئة المناخ الوطني وتخفيف حدّة الانقسام، وهو ما تعتبره إسرائيل مكسباً غير مباشر لحزب الله.

لذلك يُنظر إلى محاولة إفشال الزيارة كخطوة تهدف إلى إبقاء الداخل اللبناني في حالة اضطراب، ودفعه إلى مزيد من الانقسام وربما الاحتكاك، عبر خلق صدمة أمنية تضرب اللحظة التي كان يمكن أن تستعيد فيها الدولة بعضاً من شرعيتها المعنوية.

في الخلاصة، تقف زيارة البابا فرنسيس على خطّ اشتباك مفتوح بين الضغوط الأميركية والتصعيد الإسرائيلي وحسابات الداخل اللبناني. وبين رغبة اللبنانيين في التقاط لحظة استقرار رمزية، ورغبة أطراف أخرى في تكريس صورة لبنان كساحة هشّة، تبقى الزيارة معلّقة بين الرجاء والخشية، في بلد لم يعد يحتمل المزيد من الرسائل الثقيلة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى