تقاريرمصر

فضيحة التقاوي فساد يضرب الزراعة المصرية ويشعل غضب الفلاحين

تكشف الأيام عن مأساة كبرى يعاني منها القطاع الزراعي في مصر وهو أساس الاقتصاد المحلي ويكتوي بنيران الفساد الذي يضرب أطنابه فيه من أعاليه إلى قاعه فساد يمتد حتى يصل إلى بذور القطن التي تفجرت أزمة جديدة بسببها فضيحة من العيار الثقيل لم تعرفها الزراعة المصرية منذ عقود تجد الحكومة نفسها عاجزة عن تقديم تفسيرات مقنعة لما يحدث وفي وقت يعاني فيه الفلاح المصري من الجوع والعوز تكون الأزمة أكبر من أن تُحل بمجرد وعود زائفة

تتساقط رؤوس الفلاحين المكلومة على الأراضي الزراعية التي جفَّت ولم تُنتج سوى الآلام يزرعون الأرض بدمائهم وأحلامهم فقط لتكتشف الفضيحة الكبرى أن البذور التي حصلوا عليها فاسدة بشكل كامل بل وكارثي فلا تنبت الأراضي ولا يُنتج القطن الذي كان يعتمد عليه الفلاحون لتأمين قوتهم وإعالة أسرهم وفي هذا العام تحديدًا تسلم فلاحو دمياط بذور قطن صنف جيزه 92 الذي يُعتبر من أجود أنواع القطن ويصل سعر القنطار إلى 16 ألف جنيه في العام الماضي وقد زرعوا أراضيهم بانتظار موسم حصاد جيد لكن المفاجأة جاءت أكثر من قاسية البذور فشلت في الإنبات بشكل كامل فبقيت الأراضي فارغة لم تنبت ولم تثمر

اشتعلت ثورة الفلاحين في كل مكان بعدما اختفت أملهم في موسم الحصاد هذا العام بينما هرعوا إلى مديريات الزراعة التي وعدتهم بتعويضهم ببذور جديدة لكن سرعان ما اكتشفوا أن هذه الوعود ليست إلا وعودا جوفاء لا تؤدي إلى أي حل حيث باءت محاولات زراعة البذور البديلة بالفشل الذريع ليُصاب الفلاح باليأس التام مع شعوره بأن لا أحد يهتم بمعاناتهم ولا أحد يحرك ساكناً لمواجهة الفساد الذي حلَّ بمزارعهم في جريمة هي الأخطر

يتساءل الفلاحون من أين جاءت هذه التقاوي الفاسدة؟ من المسؤول عن هذا الخلل الفادح الذي وقع في قلب قطاع الزراعة؟ هل هو فساد إدارى أم سوء إدارة؟ كيف تجرؤ وزارة الزراعة على توريد هذه البذور إلى الفلاحين؟ ومن هم المجرمون الذين سهلوا هذه الفضيحة التي تُهدد الأمن الاجتماعي للمواطنين على الأرض المصرية؟ تجنب المسؤولون تحمل المسؤولية ويزعمون أن فساد البذور ناتج عن سوء تخزين محصول القطن العام الماضي وأن الأمطار التي سقطت في مخازن تخزين القطن كانت سببًا رئيسيًا في هذا الضرر لكن هذه الرواية تبدو مجرد محاولة لتبرير فشل النظام

يبدأ التحقيق في هذا الملف من مرحلة تخزين محصول القطن في الشون حيث يفترض أن تكون هناك إجراءات مشددة للحفاظ على البذور ومن ثم تتسلسل الكارثة في مراحل الإنتاج من الحلج إلى الغربلة وصولاً إلى معهد بحوث القطن الذي أعلن عن فشل في اختبار البذور وعدم صلاحيتها للزراعة وهذه الإخفاقات المتتالية تضع علامات استفهام كبيرة حول نزاهة المسؤولين في هذا القطاع وما إذا كان هناك تواطؤ في إفساد التقاوي

تتعالى صرخات المزارعين ليس فقط من دمياط بل من جميع أنحاء مصر بسبب تدهور المحاصيل نتيجة فساد التقاوي والفيروسات التي أصابت أصناف البنجر والبذور الأخرى فتسببت في تراجع إنتاج المحاصيل الرئيسية وعلى رأسها البنجر الذي يُستخدم في صناعة السكر وأدى إلى زيادة الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك السنوي إذ تستورد مصر أكثر من مليون طن سكر سنويًا لتغطية احتياجات السوق المحلي

تتضافر هذه الأزمات في تهديدات متعددة تطال فئات واسعة من الشعب المصري فالفلاح هو العمود الفقري للزراعة في مصر وهو الذي يعتمد عليه أكثر من 60 مليون مواطن في توفير احتياجاتهم الأساسية من الطعام وهو الذي صمد طويلاً أمام التحديات من شح المياه إلى أسعار الأسمدة المرتفعة وأزمة تصدير المحاصيل الزراعية الآن يضاف إلى قائمة هذه المعاناة فساد التقاوي والأصناف الزراعية المعيبة التي تقضي على أحلامه وتفقره

يتجاهل المسؤولون عن وزارة الزراعة هذه الفاجعة ويركزون على تبريرات فارغة بينما تغرق أراضي الفلاحين في البوار ويتفاقم الفقر في القرى والريف بينما يسير الفلاحون في درب من اللامبالاة والخراب لتغرق معهم الزراعة المصرية في دوامة من الفساد الذي لا يبدو له نهاية واضحة رغم الضغوط الشعبية والمطالبات المستمرة بفتح تحقيق شامل في قضية فساد التقاوي وبذور القطن الفاسدة

تصل الأزمة إلى حد الانهيار عندما نتحدث عن الحلول المزيفة والتصرفات التغطية من قبل الحكومات المتعاقبة دون أن تتحمل أي من هذه الحكومات المسؤولية المباشرة والجدية في معالجة الأزمة لذا نجد أن الحل الوحيد الذي يجب أن يتبناه الشعب المصري هو الوقوف صفًا واحدًا في وجه الفساد الذي يعصف بأعمدة الزراعة وأهم قطاعات الاقتصاد المصري

تعود الخيبة الكبرى إلى أن الحكومة لم تتخذ أي إجراءات حاسمة ومؤثرة لحماية مصالح الفلاحين والمزارعين ولم تكلف نفسها عناء اتخاذ خطوات جادة لمحاكمة المسؤولين المتورطين في هذه الفضيحة الكبرى من المسؤولين في وزارة الزراعة بل أصبح الفلاحون ضحايا فساد يكاد يكون غير قابل للشفاء فمتى ستتوقف هذه السلسلة المدمرة من الفساد ويعود للفلاح المصري حقه في الزراعة والمحاصيل التي تأخذ منه أكثر مما تعطيه

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى