ملفات وتقارير

تركيا والجزائر: علاقات متجذرة وزخم متصاعد في التعاون والتجارة

تشهد العلاقات الجزائرية التركية تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث عكست تلك العلاقات التاريخية القوية مدى التلاحم بين الشعبين والدولتين. وقد ساهمت اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين البلدين عام 2006 في تعزيز هذه الروابط، مما مهد الطريق لتعاون أكبر في عدة مجالات منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر في نهاية 2019.

تحرص كلا الدولتين على تعزيز الشراكات الاقتصادية والثقافية والسياسية، مما أسفر عن نتائج إيجابية تعكس إرادة مشتركة في تحقيق التنمية المستدامة. وتعتبر الزيارات المتبادلة بين القادة وممثلي الأعمال في كلا البلدين مؤشراً إيجابياً على تعزيز التفاهم وزيادة الاستثمارات المشتركة.

وفي هذا السياق، أكد مصدر حكومي جزائري: “إن العلاقات الجزائرية التركية ليست مجرد اتفاقيات تجارية، بل هي صداقة تمتد عبر التاريخ وتربط الشعوب ببعضها البعض. إن التركيز على التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا والاقتصاد هو جزء من رؤيتنا المشتركة نحو مستقبل مشرق.”

كذلك، تسعى الحكومة الجزائرية تحت قيادة الرئيس تبون إلى الاستفادة من الخبرات التركية في مجالات مثل الصناعة والبنية التحتية، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية البلاد وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.

وفي إطار هذا الزخم، يبدأ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، زيارة رسمية إلى الجزائر تستمر يومين، لبحث العلاقات الثنائية وملفات إقليمية ودولية.

وأفادت مصادر في الخارجية التركية للأناضول، بأن فيدان، سيترأس إلى جانب نظيره الجزائري أحمد عطاف، الاجتماع الثالث لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين.

ومن المنتظر أن يلتقي فيدان الرئيس تبون، ويشارك في الافتتاح الرسمي للقنصلية العامة التركية في مدينة وهران (غرب).

كما سيستعرض فيدان، خلال محادثاته في الجزائر التحضيرات الجارية لعقد اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، المقرر تنظيمه خلال زيارة مرتقبة للرئيس تبون إلى تركيا (لم يُعلن عن موعدها بعد).

وسيؤكد فيدان على أهمية الاستفادة الفعالة من فرص التعاون الاقتصادي لبلوغ الهدف المشترك المتمثل في رفع حجم التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار.

ومن المتوقع أن يُشدد أيضا على أهمية تعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بالنظر إلى الدور الحيوي للجزائر في ضمان أمن الطاقة التركي، بالإضافة إلى بحث سبل التعاون في الصناعات الدفاعية على أساس المنفعة المتبادلة.

وعلى صعيد القضايا الإقليمية والدولية، سيُجري الوزير التركي محادثات مع المسؤولين الجزائريين حول ملفات: الساحل الإفريقي، وليبيا، وسوريا، وقطاع غزة.

وكان آخر لقاء جمع فيدان بعطاف، عُقد في فبراير/شباط 2025، على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرغ.

كما التقيا في أنقرة بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2023، في إطار زيارة رسمية لعطاف، شهدت انعقاد الاجتماع الثاني لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين.

وقال عطاف، خلال مؤتمر صحفي مع فيدان وقتها، إن العلاقات الجزائرية التركية تشهد “زخما سياسيا واقتصاديا غير مسبوق”، مشيرا إلى أن الأعوام الثلاث الماضية كانت الأبرز في تاريخ التعاون الثنائي.

بدوره، جدد فيدان، التأكيد على رغبة تركيا في زيادة استثماراتها في الجزائر، مشيدا بتعاون السلطات الجزائرية في هذا السياق.

العلاقات التاريخية بين تركيا والجزائر: شراكة تعود إلى أكثر من 500 عام

إلا أن جذورها تمتد إلى عام 1516 حين وصل خير الدين بربروس، إلى الجزائر، لتبدأ بذلك روابط سياسية وثقافية وعسكرية طويلة الأمد.

شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تطورات نوعية في العلاقات بين البلدين، شملت الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية، وافتتحت تركيا سفارتها في الجزائر عام 1963.

وفي 23 مايو/ أيار 2006، وقع البلدان “معاهدة الصداقة والتعاون” لتوطيد أواصر التعاون الثنائي.

تعزيز التعاون الجزائري التركي: توقيع 13 اتفاقية خلال زيارة أردوغان الأخيرة إلى الجزائر

تُوّج هذا الزخم بزيارتين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزائر، الأولى في يناير/ كانون الثاني 2020، والثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، حيث أجرى خلالها محادثات مع تبون، وألقى كلمة في منتدى الأعمال الجزائري التركي.

وشهدت الزيارة الأخيرة توقيع 13 اتفاقية تعاون، من بينها تمديد اتفاقية استيراد الغاز الجزائري إلى تركيا 3 أعوام إضافية حتى عام 2027.

وأكد أردوغان، خلال المنتدى، أن تركيا تُعد أكبر مستثمر أجنبي في الجزائر خارج قطاع النفط والغاز، مشيرا إلى أن الاستثمارات التركية توفر فرص عمل لحوالي 5 آلاف جزائري.

وجدد الإعراب عن أمله في رفع حجم الاستثمارات إلى 10 مليارات دولار، مقارنة بـ6 مليارات في ذلك الوقت.

من جانبه، وصف الرئيس تبون، العلاقات مع تركيا بأنها “قوية وذات آفاق واعدة”، مؤكدا وجود إرادة سياسية صادقة لدى الجانبين لتعزيز التعاون.

أما زيارة أردوغان للجزائر عام 2020 فأسفرت عن التوقيع على بيان مشترك لإنشاء مجلس تعاون رفيع المستوى بين البلدين.

في المقابل، أجرى الرئيس تبون زيارتين إلى تركيا؛ الأولى في مايو 2022، شهدت انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى وتوقيع 15 اتفاقية.

أما الزيارة الثانية فكانت في يوليو/ تموز 2023، وركزت على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.

أنقرة والجزائر: تعاون مستمر لدعم القضية الفلسطينية ووقف الإبادة في غزة

حيث أكد الرئيس أردوغان، في اتصال هاتفي مع تبون، للتهنئة بعيد الفطر بتاريخ 30 مارس/ آذار 2025، على مواصلة التعاون بين البلدين من أجل وقف إطلاق النار بغزة.

كذلك، أشاد الرئيس أردوغان، في كلمة عقب اجتماع مجلس الوزراء التركي، في 6 ديسمبر 2023، بموقف الجزائر حيال القضية الفلسطينية، مبينا أنها “من أبرز المدافعين” عنها.

وقال: “في لقائنا مع الرئيس الجزائري أخي (عبدالمجيد) تبون (في نوفمبر 2023) أكدنا باعتبارنا دولتين شقيقتين دعمنا القوي لغزة وللقضية الفلسطينية”.

وفي الملف الليبي، يتفق الطرفان على ضرورة إيجاد حل سياسي، إذ أكد تبون، خلال زيارة أردوغان إلى الجزائر في يناير 2020، توافقهما حول تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين.

وأكد تبون آنذاك، أنه على اتفاق تام مع الرئيس أردوغان، حول تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا، من أجل ضمان السلام في الدولة الجارة لبلاده.

تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وتركيا: بنك زراعات وشركة إيه جت يفتتحان آفاق جديدة

ففي 7 فبراير 2025، منحت السلطات الجزائرية بنك “زراعات” اعتمادا لفتح فرع له، ليُصبح أول مصرف تركي يزاول نشاطه في الجزائر.

وفي 7 يناير 2025، بدأت شركة “إيه جت” (A Jet) التركية للطيران منخفض التكلفة تسيير رحلات تجارية إلى الجزائر، تربط مطار صبيحة غوكتشن الدولي في إسطنبول بالعاصمة الجزائرية، بمعدل 5 رحلات أسبوعيا في مرحلة أولى.

وفي 23 نوفمبر 2024، وخلال كلمته في منتدى الأعمال والاستثمار التركي الجزائري الأول بإسطنبول، الذي يهدف إلى تشجيع الاستثمار بين البلدين، أكد وزير التجارة التركي عمر بولاط، أن أنقرة ستُسرّع محادثات اتفاقية التجارة التفضيلية مع الجزائر التي بدأت العام الماضي.

وقال بولاط: “ثمة فرص كثيرة للشركات ورجال الأعمال في كلا البلدين، في قطاعات الاستثمار والمقاولات والتجارة والتمويل والخدمات والنقل”.

ووصف الوزير التركي الجزائر بأنها بوابة تركيا إلى القارة الإفريقية، وأشار في الوقت نفسه إلى أن تركيا تُعد بوابة الجزائر إلى منطقة أوراسيا.

وفي 28 يوليو 2024، رست سفينة الإبرار “TCG BAYRAKTAR-L402” التابعة للقوات البحرية التركية، في الجزائر، في زيارة لعدة أيام، ضمن برنامج التعاون العسكري بين البلدين.

وفي 24 يونيو 2024، شارك نائب الرئيس التركي جودت يلماز، في افتتاح معرض الجزائر الدولي الـ55، ورافقه في الزيارة كل من وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية ماهينور أوزدمير غوكتاش، ووزير التجارة عمر بولاط.

وفي تصريحات صحفية عقب لقائه الرئيس تبون، لفت يلماز إلى أن حجم التجارة بين تركيا والجزائر بلغ 6.3 مليارات دولار، مؤكدا أن البلدين يسعيان لتحقيق الهدف الذي حدده رئيسا البلدين، والمتمثل في رفع التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار.

وأشار إلى أن الشركات التركية نفّذت في قطاع المقاولات مشاريع في الجزائر تجاوزت قيمتها 21 مليار دولار.

وفي 21 و22 سبتمبر 2023، زار وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، الجزائر، وعقد لقاءات مع عدد من المسؤولين لتعزيز العلاقات الثنائية. وتقرر خلال الزيارة إنشاء فريق عمل مشترك في مجال مصائد الأسماك وبناء السفن.

الجزائر وتركيا تعززان شراكتهما التجارية بهدف 10 مليارات دولار

انطلقت جهود جديدة لتحقيق هدف تبادل تجاري يصل إلى 10 مليارات دولار، وذلك خلال زيارة وزير الخارجية التركي الأسبق مولود تشاووش أوغلو إلى الجزائر في ديسمبر 2022.

أثناء الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين، ألقى تشاووش أوغلو الضوء على أهمية التعاون الثنائي، مشيراً إلى أن ذلك سيكون له تأثير إيجابي ليس فقط على البلدين، بل على المنطقة ككل. وذكر: “نعمل معا لزيادة ليس فقط تجارتنا، بل أيضا استثماراتنا هنا، للوصول بها إلى مستوى 10 مليارات دولار”.

كما أشار فاتح دونماز، وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي في نوفمبر 2022، إلى خطط البلدين لإنشاء شركة مشتركة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. جاء ذلك أثناء زيارته للجزائر حيث أعلن عن التوصل إلى توافق لإنشاء شركة مشتركة بين شركة سوناطراك الجزائرية وشركة البترول التركية. وصرح دونماز قائلاً: “توصلنا إلى توافق حول تأسيس شركة مشتركة بين شركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية (سوناطراك) وشركة البترول التركية، لتنفيذ أنشطة التنقيب عن النفط والغاز بشكل مشترك في دول المنطقة، وعلى رأسها الجزائر”.

هذه المبادرات تعكس الالتزام المتزايد بين الجزائر وتركيا لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة، مما يعود بالنفع على الشعبين ويدعم التنمية المستدامة في المنطقة.

الجزائر تعبر عن تضامنها العميق مع تركيا عقب زلزال 6 فبراير 2023

في ظل رياح الكارثة التي اجتاحت تركيا، أظهرت الجزائر دعمًا لا يتزعزع وذلك بعد الزلزال المدمر الذي وقع في 6 فبراير 2023.

تقدمت الجزائر بتقديم مساعدة مالية قدرها 30 مليون دولار، وأرسلت فرق إنقاذ مؤهلة بالإضافة إلى مساعدات إنسانية شاملة. وقد شهدت البلاد تحركات ميدانية غير مسبوقة حيث خرج المواطنون والجمعيات في حملات تضامن تهدف لدعم المتضررين من الكارثة.

ومع تزايد صدى الزلزال في وسائل التواصل الاجتماعي، انتقل التعبير عن التضامن من الفضاء الافتراضي إلى الشوارع، حيث نظم الأفراد والهيئات الفاعلة مجموعة من الأنشطة الخيرية لجمع التبرعات وإرسالها إلى المتأثرين. ويعكس هذا النمط العفوي من الدعم الروح الجماعية للجزائرجميع فئات المجتمع، بما في ذلك الرياضيون والسياسيون، الذين أعربوا في لحظات الأزمة عن وقوفهم الكامل إلى جانب الشعب التركي.

وقال وزير الخارجية الجزائري: “إن التضامن مع تركيا هو واجب إنساني في أوقات الأزمات. نحن ملتزمون بدعم أصدقائنا في كل الظروف الصعبة، ونعلم أن قلوبنا وعقولنا معهم في هذا الوقت العصيب”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى