صرخات في زنازين القمع: الإخفاء القسري يهدد حياة النشطاء في مصر

في مشهد يختصر معاناة الحريات في مصر يتجلى واقع مروع حيث اختفى عدد من النشطاء تحت طائلة الإخفاء القسري بعد أن أُلقوا في قبضة الأجهزة الأمنية عقب مشاركتهم في وقفة احتجاجية تعبر عن تضامنهم مع غزة ولبنان في حي الزمالك بالقاهرة.
ولتكتمل الصورة المظلمة، أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن جهود المحامين لم تُجدي نفعًا في الكشف عن مصير هؤلاء المحتجزين، مما يُظهر استهتارًا صارخًا بحقوق المواطنين وكرامتهم.
بعد ساعات من عدم المعرفة بمكان احتجازهم ورفض الشرطة التصريح عن أي تفاصيل، تمكن المحامون من تأكيد ظهور الشباب الذين تم اعتقالهم، لكن الإغاثة لم تدم طويلًا.
فقد أُحيل أربعة من هؤلاء المحتجزين إلى التحقيق، بينما جرى ترحيل شابتين بسبب جنسيتهما الأجنبية، مما يطرح تساؤلات حول كيف يمكن للسلطات أن تتعامل مع الناشطين بناءً على خلفياتهم الوطنية.
الجديد في هذا السياق هو تقرير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان الذي يعكس صورة مروعة للواقع. إذ أشار التقرير إلى أن أربعة نشطاء يخضعون الآن للتحقيق، بينما تم استبعاد اثنتين من تلك النشطاء،
مما يفضح سياسة التمييز والممارسات القمعية التي تنتهجها الدولة تجاه كل من يُظهر دعمًا للقضايا الإنسانية. مثل هذه الإجراءات تكشف عن مدى خوف النظام من الأصوات المعارضة وتبني قضايا شعوب أخرى.
وفي هذه الأثناء تنديد الشبكة بالإجراءات القمعية لا يُعتبر مجرد كلام، بل هو دعوة موجهة لكافة منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم.
فالصمت أو التهاون في هذه القضية يعني تواطؤًا مع القمع، وهذا ما لا يمكن القبول به. على منظمات المجتمع المدني أن ترتفع فوق حدود التقاعس وأن تُمارس ضغوطًا حقيقية على السلطات المصرية للإفراج عن هؤلاء المحتجزين وكف يد القمع عن جميع النشطاء.
ليس هذا هو المشهد الأول من نوعه، فخلال عام كامل من الحرب المستمرة، اعتقلت السلطات المصرية العشرات من النشطاء الذين أبدوا تضامنهم مع القضية الفلسطينية، ومن المثير للقلق أن الاحتجازات تستمر بلا رحمة، حيث يُحتجز هؤلاء على مدى أشهر دون أن يتمكنوا من رؤية الضوء في نهاية النفق.
إن هذا الوضع يبعث برسالة واضحة وهي أن الحرية في مصر ليست إلا وهمًا، وأن أي صوت يتعالى للدفاع عن الحق أو العدالة قد يواجه مصيرًا مشابهًا.
إن ما يحدث اليوم في الشارع المصري ليس مجرد اعتقال لعدد من الشباب بل هو بمثابة إشارة حمراء لكل من يجرؤ على رفع صوته ضد الظلم.
الأوضاع في البلاد تدق ناقوس الخطر، فالتضامن مع قضايا الشعوب الأخرى بات جريمة تُعاقب عليها الأنظمة القمعية. وهذا يُظهر إلى أي حد يمكن أن تصل يد السلطات لتمتد إلى قمع الحريات العامة.
الأحداث الأخيرة تعكس صورة قاتمة لنضال الشعب المصري من أجل الحرية، فالنظام يبدو مصمماً على تكميم الأفواه وسحق أي محاولة للاحتجاج.
وقد يُفهم هذا بأنه انعدام للثقة في قدرة الشباب على إحداث تغيير، لكن الواقع يقول إن الأمل لا يزال موجودًا وأن النضال من أجل حقوق الإنسان يجب أن يستمر مهما كانت التكلفة.
وبما أن العالم يراقب عن كثب، فإننا مطالبون بالاستمرار في رفع أصواتنا ضد هذا القمع والضغط من أجل الإفراج عن النشطاء المحتجزين. إن السكوت ليس خيارًا، فكل يوم يمر دون تصرف يعد بمثابة تسليم للسلطات لزمام الأمور دون رادع.
إن القضية اليوم لا تتعلق فقط بالشباب المعتقلين، بل تمثل قضية أوسع تتعلق بكامل الشعب المصري وحقوقه الأساسية.
وهذا يتطلب تحركًا جادًا من جميع الفاعلين في المجتمع الدولي للتصدي لهذه السياسات القمعية. إنّ التعاطف مع الضحايا ليس كافيًا بل يجب أن يكون هناك تحرك حقيقي وفعال.
الأحداث تتطور سريعًا، وما لم يتحرك المجتمع الدولي بجدية فإن القمع سوف يستمر، والأصوات ستُخنق، وستُداس حقوق الإنسان تحت الأقدام. لذا فإننا في أمس الحاجة إلى صرخة تضامن عالمية تقف في وجه هذه الانتهاكات.