مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: جمال هولندا في الشتاء لوحة فنية طبيعية تخطف الأنفاس

عندما يحل الشتاء على الأراضي الهولندية، تتحول البلاد إلى مشهد ساحر يبدو وكأنه خرج من لوحة لفنان عصر النهضة.

بعيداً عن الصور النمطية عن حقول التوليب الربيعية والقنوات الصيفية، تكشف هولندا في الشتاء عن وجه آخر يمتزج فيه السكون الجليدي مع دفء الثقافة المحلية.

نري القنوات المتجمدة شرايين من البلور فتتحول شبكة القنوات المائية الشهيرة في أمستردام ودلفت وأوتريخت إلى مسارات جليدية لامعة.

المشي على الجليد على طول “قنوات القرن الذهبي” في أمستردام هو تجربة فريدة، حيث تصطف المنازل التاريخية المائلة كحراس صامتين على جانبي الممرات المتجمدة، بينما تنعكس أضواء المصابيح القديمة على السطح الجليدي مخلّفةً مشهداً سريالياً.

ومشاهدة أسواق عيد الميلاد تدخل دفء في قلب البرد
تنتشر الأسواق الشتوية في كل مدينة هولندية، لكن سوق “فونكيلستات” في ميدان المتحف بأمستردام يظل الأكثر سحراً.

تحت أضواء الآلاف من المصابيح، يبيع البائعون الحرف اليدوية، وتنتشر رائحة “أوليبولن” (الكعك الهولندي) والسجق المدخن وشراب النبيذ الساخن.

في ماستريخت، يتحول كهف “سانت بيترسبورغ” تحت الأرض إلى سوق عيد ميلاد فريد من نوعه، حيث يلتقي التاريخ بالتراث الشتوي، يتميز ضوء الشتاء الهولندي بنعومته وشفافيته، مما يمنح المشاهد الطبيعية جواً دراماتيكياً.

المصورون ينتظرون بلهفة تلك اللحظات التي تخترق فيها الشمس الضباب الكثيف، فتنير حقولاً بيضاء ثلجية تتناثر فيها طواحين الهواء التاريخية كعمالقة صامتة.

ولا ننسي الرياضات الشتوية التقليدية مع تجمد القنوات والبحيرات، يتحول الهولنديون إلى عشاق “التزلج الطويل”، وهو تقليد يعود لقرون.

يجتمع الأهل والأصدقاء للتزلج على المسارات الجليدية الطويلة، وربما يشارك بعضهم في “التزلج الليلي” حيث ينطلقون بمصابيح أمامية عبر القنوات المتجمدة تحت سماء مرصعة بالنجوم.

فنجد الطبيعة في ثوب أبيض، فتغطي الثلوج منتزه “هوخي فيلوفي” الوطني، أكبر حديقة طبيعية في هولندا، لتحوله إلى عالم من الأساطير.

الغزال الأحمر يظهر بين الأشجار المتجمدة، وطيور الحبارى تقف بوقار في الحقول البيضاء.

على الساحل، تصبح شواطئ بحر الشمال مهجورةً وهادئة، حيث تصطدم الأمواج الرمادية بالرمال المتجمدة في لوحة من الرهبة والجمال.

ثقافة المقاهي الدافئة لا تكتمل تجربة الشتاء الهولندية دون زيارة أحد المقاهي التاريخية (“براون كافيه”).

في زواياها الدافئة، بين رائحة القهوة القديمة والجدران المظلمة، يلتقط السكان الدفء وهم يتبادلون الأحاديث أو يقرأون الكتب بينما تتساقط الثلوج بهدوء خلف النوافذ.

للاستمتاع بالشتاء الهولندي، ينصح الخبراء بارتداء طبقات من الملابس الدافئة، واستكشاف المدن سيراً على الأقدام، وتذوق الأطعمة المحلية الشتوية مثل “ستامبوت” (البطاطس المهروسة مع الخضار) و”بانكوك” (فطائر صغيرة محلاة)، وعدم تفويت زيارة المتاحف التي توفر ملاذاً دافئاً وغنياً ثقافياً.

فإن هولندا في الشتاء ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي حالة شعرية تعيد للزائر اتصاله بالطبيعة وبساطة اللحظات الجميلة.

تحت ثوبها الأبيض، تهمس هولندا بحكايات الماضي وتبعث برسالة أمل بأن الجمال يمكن أن يزدهر حتى في أقسى الفصول.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى