
ما الذي يدفع ( اليوم )صحيفة بحجم لوموند إلى وصف الأزمة السودانية بأنها “تهديد عالمي”؟
وما الذي يجعلها تسلّط الضوء، بلا مواربة، على دور الإمارات في إذكاء نيران حرب أهلية تحصد الأرواح، وتُهدد بتفكيك ما تبقّى من بلدٍ عاش عقودًا من التمزق؟
التحليل الذي تقدّمه الصحيفة لا يكتفي بعرض مجريات الحرب في السودان، بل يكشف عمق التورط الخارجي، وتشابك المصالح الإقليمية، ويُسمّي الأشياء بأسمائها:
•طائرات مسيّرة تهاجم بورسودان
•أسلحة متطورة في يد قواتالدعمالسريع
•دعم مباشر وغير معلن من أبوظبي
•خطر التقسيم، لا كاحتمال بعيد، بل كواقع يتشكّل يومًا بعد يوم.
التقرير يقرأ السودان من زاوية الجغرافيا الجريحة والسياسة المنفلتة، ويرى فيه مختبرًا لصراعات بالوكالة، تُدار من بعيد، وتُنفّذ بدماء السودانيين.
إنها ليست حرب الجنرالين البرهان وحميدتي فحسب، بل حربٌ يُغذّيها فائض السلاح، والعطش للنفوذ، والتواطؤ الصامت مع من يرى في السودان مجرد خريطة مؤجّلة لإعادة التقسيم.
التفاصيل كما أوردتها لوموند:
في افتتاحيتها الصادرة صباح اليوم الإثنين، ربطت صحيفة لوموند بين التصعيد العسكري غير المسبوق الذي تشهده مدينة بورسودان، والزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى دول الخليج، مشيرة إلى أن اللحظة باتت خطرة بما يكفي لتتحوّل الحرب الأهلية في السودان إلى تهديد إقليمي ودولي شامل.
أشارت الصحيفة إلى أن الحرب دخلت عامها الثالث، بحصيلة مفزعة:
أكثر من 150 ألف قتيل
أكثر من 13 مليون نازح ولاجئ
دمار شبه كامل للبنية التحتية
توقف شبه تام للمساعدات الإنسانية بعد قصف المطار المدني الأخير في بورسودان.
المدينة الساحلية التي ظلت حتى الأمس القريب مركزًا لحكومة الجنرال عبدالفتاح البرهان، تحوّلت فجأة إلى هدف للطائرات المسيّرة، في هجمات وصفتها الصحيفة بأنها “رسائل موقعة إماراتيًا”، وإن أنكرتها أبوظبي.
وفي أعقابها، أعلنت حكومة السودان قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارات.
التقرير يضع أصبعه مباشرة على الجرح:
إن ما يُبقي هذه الحرب مشتعلة هو “التدفّق المستمر للأسلحة والمقاتلين” من خارج الحدود، وهو ما أدانته الأمم المتحدة صراحة في أبريل الماضي.
ولم يكتفِ التقرير بالإشارة إلى دور الإمارات، بل عدّد أيضًا أطرافًا أخرى:
مصر، والسعودية، على جانب البرهان
الإمارات، على جانب حميدتي
في مشهد يذكّرنا تمامًا بما جرى – ويجري – في ليبيا واليمن.
أخطر ما كشفه التقرير هو إعلان قوات الدعم السريع، في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب (15 أبريل 2025)، تشكيل حكومة موازية، في إشارة إلى بدء تنفيذ مشروع تقسيم فعلي، لا فقط على الورق، بل على الأرض، بدعمٍ مالي وتسليحي من حلفاء إقليميين.
الهجمات الأخيرة على بورسودان لم تكن فقط عمليات عسكرية، بل كانت رسائل سياسية موجهة للداخل والخارج، مفادها أن لا منطقة آمنة في السودان، ولا مكان خارج نطاق الحرب، وأن من لا يُقسم السودان بالتفاوض، سيُقسّمه بالقوة.
وختامًا
حذّرت لوموند من أن هذه الحرب ليست شأنًا سودانيًا داخليًا، بل مشروع خطير تُشارك فيه قوى إقليمية لإعادة رسم الخرائط في القرن الأفريقي، في غياب كامل لأي تدخل دولي فعّال.
ودعت الصحيفة صراحة الولايات المتحدة، مع اقتراب زيارة ترامب إلى الخليج، إلى تحمّل مسؤوليتها التاريخية في الضغط على الدول الممولة للحرب، وعلى رأسها الإمارات، ومصر، والسعودية.
السودان لا يُقسم فقط، بل يُختطف.
تتساقط عليه طائرات لا يراها أحد، ويُقتل فيه آلاف لا تذكرهم نشرات الأخبار. وحين تتبادل العواصم العربية الأدوار، بين راعٍ للبرهان ومموّل لحميدتي،يبقى السؤال معلقًا:
حين تصمت الخرائط، تنطق الطائرات.
وحين تتهامس الدول عن “التدخلات”، تكون الحقيقة أن بعض هذه الدول هي التدخل نفسه.
فهل يستحق السودان، بكل تاريخه ونيله ودمائه، هذا الصمت المذل؟
أم آن أن يعلو الصوت: كفى للحرب… كفى للتمزيق… كفى للصمت المتواطئ