مرور 102 عامًا على دستور 1923 شاهد ميلاد الدولة الحديثة وصراع السلطة

أكدت الذكرى الثانية بعد المئة لصدور دستور 1923 أن هذا النص التاريخي لم يكن مجرد وثيقة قانونية بل محطة فارقة في مسار الدولة المصرية الحديثة
فقد أرسى قواعد النظام النيابي وسعى لترسيخ الديمقراطية رغم التحديات والقيود التي أحاطت بميلاده ومسيرته على مدى ثلاثة عقود متقلبة
ثورة 1919 وتداعياتها السياسية
أشارت الوقائع إلى أن نهاية الحرب العالمية الأولى كانت لحظة فاصلة أدت لانفجار الغضب الشعبي المصري في ثورة 1919 التي قادها الشعب مطالبًا بالاستقلال والحرية والتمثيل النيابي
وأوضح الحراك الشعبي حينها تمسك المصريين بإرادتهم السياسية وهو ما أجبر بريطانيا على إصدار تصريح 28 فبراير عام 1922 الذي اعترف بمصر كدولة مستقلة ذات سيادة رغم بقاء بعض التحفظات والقيود الاستعمارية
تشكيل لجنة صياغة الدستور
أكدت الوثائق الرسمية أن أول رئيس وزراء لمصر المستقلة عبد الخالق ثروت باشا تولى في 30 أبريل عام 1922 تشكيل لجنة من ثلاثين شخصية من علماء وفقهاء ورجال سياسة وقادة مجتمع لصياغة دستور حديث يواكب وضع مصر الجديد
وأوضحت مصادر تاريخية أن حزب الوفد وهو أكبر الأحزاب السياسية في تلك الفترة قاطع اللجنة بسبب خلافات تتعلق بشرعية التمثيل الشعبي وأبرزت المرحلة تلك توتر العلاقة بين الملك فؤاد الأول وفكرة أن يكون الشعب مصدر السلطات
إصدار دستور 1923 وتفاصيله
أعلن الملك فؤاد الأول في 19 أبريل عام 1923 إصدار دستور جديد ليحل محل القانون النظامي رقم 29 لسنة 1913 بعد مناقشات مكثفة ومداولات سياسية واسعة وأفاد المؤرخون أن الدستور رسخ النظام النيابي الملكي وكرس الفصل والتوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية
وأكد على أن مجلس الوزراء مسؤول أمام البرلمان كما منح البرلمان سلطة حجب الثقة عن الحكومة مع إعطاء الملك صلاحية حل المجلس النيابي لكنه ألزم بعقد البرلمان في مواعيده المقررة
هيكل البرلمان وفق دستور 1923
أوضحت نصوص الدستور أن البرلمان المصري أصبح يتكون من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ وبيّنت النصوص أن أعضاء مجلس النواب كانوا يُنتخبون بالكامل لمدة خمس سنوات
فيما كان يتم انتخاب ثلاثة أخماس مجلس الشيوخ وتعيين البقية وشدد الدستور على مبدأ التوازن بين المجلسين مع بعض الاستثناءات
تغير أعداد النواب عبر السنوات
أفادت الوثائق النيابية بأن عدد أعضاء مجلس النواب ظل في تزايد مستمر منذ تأسيسه حيث بلغ 214 عضوًا في الفترة من 1924 حتى 1930 ثم ارتفع إلى 235 عضوا قبل أن ينخفض وفق دستور 1930 إلى 150 عضوا
واستمر ذلك حتى عام 1934 ثم عاد للارتفاع إلى 232 عضوًا بين 1936 و1938 ثم ارتفع مرة أخرى إلى 264 نائبًا في الفترة من 1938 حتى 1949 حتى بلغ ذروته بـ319 عضوًا في عام 1950 واستمر كذلك حتى قيام ثورة 1952
تجربة ديمقراطية محدودة ومتذبذبة
أشارت الأحداث السياسية إلى أن البرلمان الذي وُلد من رحم دستور 1923 كان خطوة مهمة نحو الديمقراطية لكنه لم يخلُ من العراقيل
وأوضحت المتابعات التاريخية أن الحياة السياسية في تلك الحقبة شهدت حالات من المد والجزر بين الانفتاح النسبي والانكماش السياسي بسبب تدخل الاحتلال البريطاني وهيمنة القصر الملكي مما أدى إلى حل البرلمان عشر مرات خلال فترة سريان الدستور
دستور 1930 وعودة دستور 1923
أكدت الحقائق التاريخية أن دستور 1923 تم إلغاؤه في 22 أكتوبر عام 1930 وتم استبداله بدستور جديد عرف بدستور 1930 الذي استمر لمدة خمس سنوات وشكل انتكاسة ديمقراطية كبيرة
مما أشعل احتجاجات ومظاهرات شعبية أجبرت الملك فؤاد الأول على إلغاءه بموجب الأمر الملكي رقم 142 في 19 ديسمبر عام 1935 ليعود دستور 1923 إلى العمل مجددًا

إلغاء دستور 1923 نهائيًا
أعلن مجلس قيادة الضباط الأحرار في 10 ديسمبر عام 1952 إلغاء دستور 1923 نهائيًا ليضع نهاية رسمية لمسيرة دامت ما يقرب من ثلاثة عقود من التجربة الدستورية في مصر الملكية
وأوضح القرار حينها بداية مرحلة سياسية جديدة تنتهي فيها الحقبة الليبرالية وتبدأ فيها مرحلة التحول الجمهوري
أعضاء الحكومة الموقعة على الدستور
أشار السجل الرسمي إلى أن من وقعوا على الدستور عند صدوره كانوا يمثلون الحكومة المصرية بالكامل برئاسة يحيى إبراهيم الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية
وشملت القائمة أحمد حشمت وزير الخارجية ومحمد محب باشا وزير المالية وأحمد زيور باشا وزير المواصلات وأحمد ذو الفقار باشا وزير الحقانية ومحمد توفيق رفعت وزير المعارف العمومية
وأحمد علي وزير الأوقاف ومحمود عزمي باشا وزير الحربية والبحرية وحافظ حسن باش وزير الأشغال العمومية وفوزي المطيعي وزير الزراعة
أوضحت صفحات التاريخ أن دستور 1923 كان تجسيدًا لطموح أمة تتطلع للحرية والاستقلال ورغم ما تعرض له من إلغاء وعودة وصراعات سياسية
ظل رمزًا للشرعية الشعبية وأساسًا لحلم الدولة الدستورية التي ما زالت مصر تسعى لتحقيقها حتى اليوم في مسارها المتجدد نحو المستقبل