العالم العربي

إسرائيل تمنع إدخال الأجهزة والمواد اللازمة لتحديد هويات الشهداء


تزايدت الأعداد المأساوية للجثث المجهولة في مستشفى الشفاء بغزة، حيث تكافح الفرق الطبية لتحديد هويات الشهداء في ظل نقص حاد بالموارد اللازمة بسبب الحصار الإسرائيلي.

تشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 450 جثة موجودة حاليًا في مشرحة “مجمع الشفاء الطبي”، لكن لم يتم التعرف على سوى 10 جثث منها. يعاني المستشفى من نقص فادح في أجهزة فحص الحمض النووي DNA، التي تمثل الأداة الأساسية لتحديد هوية الضحايا. تعلن الفرق الطبية أنها مضطرة لاستخدام طرق بدائية لتحديد هويات الشهداء، وذلك عن طريق فحص العظام أو العناصر الشخصية مثل الملابس والمقتنيات، وهذا لا يسهم إلا في تفاقم المعاناة.

المعاناة الإنسانية تتفاقم، حيث يتم استراد جثث من دفنها لأكثر من 6 أشهر، في مشهد يحبس الأنفاس ويتسبب في آلام لا تحتمل لعائلات الضحايا. عائلات تتجرع مرارة الفقد والعجز، وتحت وطأة الإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بدعم أمريكي على مدى أكثر من عام ونصف، تظهر الحاجة الملحة للحصول على أخبار أحبائهم المفقودين.

“نحن نعمل بأقصى جهد، ولكن بدون الموارد اللازمة نواجه صعوبة كبيرة في أداء واجبنا الإنساني”، يقول أحد الأطباء في مستشفى الشفاء. “الجثث تتكدس، والعائلات تعيش في حالة من الشك والحزن المتزايد.”

صمت الموت: جثث مجهولة تتحدى الأمل في غزة

في مشهد مؤلم يعكس عمق المعاناة الإنسانية، يعمل الطبيب الشرعي الفلسطيني عماد شحادة في مشرحة غزة على التعرف على الجثامين المجهولة، وسط ظروف كارثية تفتقر لأبسط وسائل الرعاية الصحية.

تَظهر التفاصيل الدقيقة في غرفة المشرحة التي غابت عنها الحياة، حيث لا يُسمع سوى صوت أدواته البسيطة وهي تلامس العظام المتناثرة، مما يخلق أجواءً خانقة تعكس تأثير الحرب على سكان المدينة. وغالباً ما تتداخل روائح الموت مع البارود، مُجسّدةً مرارة ما يعيشه المواطنون.

في ظل انعدام المعدات الحديثة والرعاية الطبية الأساسية، يُجبر الأطباء على الاعتماد على وسائل بدائية لتحديد هوية الضحايا، مستندين الى ملامح الجسد، الملابس، والمقتنيات الشخصية، أو الأوصاف المتوفرة من ذوي المفقودين. هذا الوضع المأساوي يزيد من معاناة الأهالي، الذين يواجهون صعوبة بالغة في التعرف على ذويههم بسبب تفحم الجثث وتقطع أوصالها.

وفي هذا السياق، قال الطبيب شحادة: “نعاني من تزايد أعداد الجثث المجهولة المتحللة، ونفتقر لأبسط المقومات الطبية، وعلى رأسها أجهزة فحص الشيفرة الوراثية”. وأضاف: “إسرائيل تمنع إدخال هذه الأجهزة والمواد اللازمة لتشغيلها، مما يجعل عملية تحديد الهويات شبه مستحيلة”.

هذه الظروف القاسية تُسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الفرق الطبية في غزة، وتكشف عن الحاجة المستمرة للدعم الدولي في مجال المساعدة الإنسانية.

وتفرض إسرائيل حصارا خانقا على قطاع غزة منذ 18 عاما، ودمرت في حربها الأخيرة عشرات الآلاف من المنازل، ما تسبب بتشريد نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون يقطنون القطاع، الذي دخل مجاعة نتيجة إغلاق المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.

ويتابع شحادة: “نعمل بوسائل بدائية جداً، نقيس العظام، نتحقق من الأسنان، نتفقد الملابس أو المقتنيات الشخصية مثل الخواتم والمفاتيح والساعات، ونقارن البيانات التي يقدمها الأهالي بما نمتلكه من معلومات”.

الكشف عن تفاصيل مؤلمة في المشرحة: معاناة تحديد الهوية الجينية للجثث

وبين طاولات الفحص، يقف الطبيب وقد تكدست حوله الجثامين، بعضها لم يتبق منه سوى هيكل عظمي مفكك، يرفع جمجمة بين يديه، يتفحص تفاصيلها، محاولا تقدير الجنس والعمر بناء على السمات العظمية.

ويقول: “نستطيع أحيانا تحديد ما إذا كانت الجثة لذكر أو أنثى، وتقدير العمر التقريبي، لكن هذا لا يكفي، الفحص الجيني هو الفيصل”.

ويشير إلى أن المشرحة استقبلت جثثا كانت مدفونة منذ أكثر من ستة أشهر، وبعضها مر عليه عام كامل، ما أدى إلى تحلل الأنسجة بالكامل، وبقاء العظام فقط، الأمر الذي يصعب عملية التعرف عليها.

ويتابع: “حتى الآن، تمكنا من التعرف على 10 جثث فقط من أصل نحو 450 جثة موجودة لدينا، والعدد في تزايد مستمر، هذه الأزمة ليست جديدة، لكنها تفاقمت بعد الإبادة الإسرائيلية”.

وخلال الحرب، اضطر الفلسطينيون إلى دفن القتلى في أماكن غير مخصصة لذلك مثل ساحات المستشفيات والحدائق العامة والساحات المفتوحة، نتيجة القصف المتواصل وصعوبة الوصول إلى المقابر، فيما تمكن آخرون من انتشال جثامين من تحت أنقاض منازلهم المدمرة.

وتؤكد وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أن عددا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات، بسبب عجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم بسبب القصف ونقص الإمكانيات.

وتستخدم طواقم الدفاع المدني أدوات بدائية في محاولاتها لانتشال جثامين القتلى من تحت أنقاض مئات آلاف المنازل التي دمّرتها إسرائيل في قطاع غزة.

الطبيب شحادة خلال عمله ناشد المجتمع الدولي لدعم القطاع الصحي في غزة، قائلا: “هذه الجثامين لها عائلات ينتظرون خبرا أو لحظة وداع تليق بهم، لا يمكننا فعل شيء دون توفر المعدات الضرورية”.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن الإبادة الإسرائيلية خلفت أكثر من 11 ألف مفقود من بينهم قتلى لم تتمكن الطواقم الطبية من نقلهم إلى المستشفيات، وآخرون ما زال مصيرهم مجهولًا حتى الآن.

وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت نحو 168 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى