
تتزامن عودة العمليات النوعية في القدس مع استمرار المقاومة الأسطورية في غزة، لتشكّل معًا مشهدًا جديدًا في مسار الصراع مع العدو الصهيوني.
إن الخسائر اليومية التي يتكبدها الاحتلال، رغم تفوقه العسكري والتكنولوجي الهائل، تعكس حقيقة جوهرية: أن المقاومة لم تعد ظاهرة محلية محدودة، بل مشروع رباني يتجاوز الموازين التقليدية.
1- البعد الشرعي: وأعدوا لهم ما استطعتم
لقد جعل الله تعالى الإعداد فريضة شرعية، وربطه بغاية ردع العدو: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
المقاومة اليوم تقدم أرقى صورة لتجسيد هذا المبدأ: إعداد ضمن حدود المستطاع، رغم الحصار، رغم انقطاع السلاح والذخيرة، ورغم تخاذل الأنظمة.
فالرصاصة الواحدة أصبحت في يدهم بإذن الله تعادل صواريخ عابرة للقارات في أثرها الاستراتيجي.
2- الإبداع المقاوم: تحويل القلة إلى قوة
الاحتلال يعترف يوميًا أن ما يواجهه في غزة والقدس هو “إبداع غير مسبوق”:
أنفاق تتحول إلى حصون.
أسلحة بدائية تصير وسيلة لردع أقوى الجيوش.
صمود شعبي يذيب الخوف ويحوّل القصف إلى وقود عزيمة.
هذه الإبداعات ليست مجرد “تكتيكات عسكرية”، بل هي برهان عملي على قول النبي ﷺ: “جعل رزقي تحت ظل رمحي” (رواه البخاري).
3- الرعاية الإلهية: الله يرمي وليس هم
لقد أرانا الله تعالى سنته: حين يستفرغ المؤمنون جهدهم ويقدّمون كل ما يملكون، تتدخل العناية الإلهية. قال تعالى في بدر: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
هكذا نشهد اليوم: مجموعات قليلة العدد، قليلة العتاد، محاصرة من البر والبحر والجو، لكنها تصمد لعامين متتاليين، وتلحق بالعدو ما عجزت جيوش نظامية عن تحقيقه.
4- البعد الاستراتيجي: المقاومة مشروع أمة
إن ما يحدث في غزة والقدس ليس مجرد معركة محلية، بل هو نواة لمشروع نهضة الأمة.
لو أن الأمة كلها بلغت مستوى الاستعداد الذي بلغه المقاومون– ولو على طريقة “إيران” في تسليحها ودعمها– لكانت موازين الصراع قد انقلبت رأسًا على عقب.
لكن الله بحكمته أراد أن يري العالم كله كيف يُهزم الباطل رغم تفوقه، وكيف تصنع القلة المؤمنة المعجزات، لتبقى حجة على الأمة كلها أن النصر ليس بكثرة العدة، وإنما بالاعتماد على الله مع بذل غاية الاستطاعة.
5- ما العمل؟
توسيع رقعة المقاومة: عودة العمليات في القدس دليل أن الضفة والقدس قابلة للاشتعال، وهي الخاصرة الأضعف للعدو.
استنهاض الأمة: على العلماء، والحركات، والشباب، والنساء، أن يدركوا أن الإعداد واجب شرعي لا يسقط عن أحد.
الجمع بين الإعداد واليقين: نعدّ ما استطعنا، ثم نتيقن أن النصر من عند الله، لا من السلاح وحده.
خاتمة
إن المقاومة اليوم تكشف المعادلة القرآنية الخالدة: الإعداد البشري + الرعاية الإلهية = نصر مؤزر.
وما أشبه ليل غزة بليل بدر، وما أشبه مقاتلي القدس بأصحاب أحد، وما أشبه حاضر الأمة بمرحلة ما قبل الفتح.
فإذا كانت القلة المؤمنة قد صنعت هذا الصمود، فما بالنا لو أن الأمة كلها التزمت بنداء ربها: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}؟
عندها لن يبقى للعدو مكان على أرضنا، وسيكتب الله لهذا الدين الغلبة والتمكين.