مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: من لا يملك نابًا يُؤكل.. غزة بين الطبيعة والسياسة!

أحبتي في غزة… أهلي وصنّاع الصمود، أتكلّم إليكم اليوم كأخٍ يقف معكم على الأرض نفسها، يرى حرارتكم، يسمع وجعكم، ويعرف أن الحكاية هنا ليست قصة كلمات تُكتب في كتب التاريخ فقط— بل حياة وكرامة وأطفال يطلبون مستقبلاً.


في عالم الحيوان، من لا يملك نابًا يُؤكل. هذه حقيقة بسيطة: من لا يدافع عن نفسه يصبح فريسة. نفس القاعدة تنطبق على الأمم والشعوب. لكن أيضاً تعلمنا الطبيعة أن من لا يملك ناباً كبيرًا يبتكر دفاعاً آخر— درعاً، سرعة، شبكة، انسجام قطيع. هذا ما نحن مدعوّون لبنائه اليوم.

أقولها بوضوح: لا نزال نملك شيئاً لا يملكه خصمنا وحده— شرعية شعبية متجذّرة، ذاكرة تاريخية لا تُمحى، وشجاعة لا تنكسر. هذا جزء من نابنا الحقيقي إذا حوّلناه إلى منظومة دفاعية متكاملة: قوة شعبية مدنية، تماسك اجتماعي، محامون يوثّقون، مؤسسات تحفظ الحقوق، وعلاقات دولية تبني ضغطاً سياسياً وقانونياً.


أدعوكم إلى خمس ثوابت عملية، ليست شعارات فقط، بل أدوات تحفظ الناس وتحمينا من الوقوع فريسة:
أولاً— الوحدة: لا تفريق بين غزة والضفة أو بين فصيل وفصيل عندما يتعلق الأمر بحماية المدنيين وقرارات الشعب. الوحدة هي الدرع الأول. عندما نتحدث بصوت واحد، تزداد قوتنا أخلاقياً ودبلوماسياً.


ثانياً— لا نُقدّم تضحيات أمنية بلا ضمانات: أي حديث عن نزع سلاح أو تخفيض قدرة غير مقبول. فانا لا نقبل وعوداً شفوية ولا نثق بمن لم يعدّل سلوكه على الأرض. التاريخ علّمنا درساً قاسياً: الوعود المؤقتة تصبح حجراً على صدر الحرية إن لم تُكتب وتُنفّذ.


ثالثاً— التوثيق والمساءلة: كل اعتداء، كل هدم، كل انتهاك— نوثّقه فوراً، نصوّره، نسجّل الشهود، ونرفع الملفات للمحاكم والهيئات الدولية. المسار القانوني ليس بديلاً عن المقاومة، لكنه سلاح أخلاقي ودبلوماسي يجعل من الاعتداء عملية مكلفة سياسياً على من يفكر في ارتكابها.


رابعاً— التحصين المدني: ابنية طوارئ محلية، مخازن إغاثة، مستشفيات جاهزة، شبكات تعليم بديلة، ودعم نفسية للصغار والنساء. الصمود المدني يقلب موازين القوة: شعب مُنظّم وآمن يجعل العدوان أصعب وأقل قبولاً داخلياً ودولياً.


خامساً— المغامرة الدبلوماسية والقانونية: لا نستغني عن الساحة الدولية. نعمل مع مؤسسات حقوقية، منظمات، ودول صادقة تضغط سياسياً واقتصادياً على من يعتدي. الصراع لا يكسبه من يملك أقوى سلاح فقط، بل من يوظف كل ساحات المعركة: الميدان، القانون، الإعلام، والاقتصاد.


أحبائي، هذا الخطاب ليس دعوة للانتظار أو للتسليم. هو دعوة للحكمة والشجاعة معاً. الشجاعة أن نحافظ على حقنا في الدفاع، والحكمة أن نعرف كيف نحوله إلى ورقة تفاوض تفرض كلفة على من يغتصب الحقوق، لا أن يتحول هو إلى ذخر يفرغنا من كرامتنا.


أطلب من كل أب وأخت وشاب وشيخ: احموا أطفالكم، علّموا أولادكم، صفّوا بيوتكم، وكونوا شهوداً. أطلب من قياداتنا أن تضعوا مصلحة الناس فوق كل اعتبار، وأن تحوّلوا الناب — أي قدرتنا على الردع — إلى قوة تحمي المدنيين وتفتح طرقاً للحرية وافاقا لمستقبل العزة والكرامة.
وفي اللحظة التي قد يطلبون منا فيها التفريط، اذكروا سربرنيتشا وصبرا وشاتيلا — تذكّروا أن الحماية الخاوية لا تحمينا. طالبوا بالضمانات، واصنعوا الدرع المدني والعالمي الذي يجعل من أي عدوان قرارًا مكلفًا لا طائل منه.

ختاماً: غزة ليست مجرد مكان على خارطة؛ هي عقلٌ وشعور وذكرى وجسارة. لا نخشى المستقبل إذا كنا موحّدين، محصنين، وملتزمين بحقوقنا. لا نريد الحرب، لكننا لن نبيع كرامتنا لقاء وعود خاوية. وحدتنا، توثيقنا، صمودنا المدني، وحضورنا القانوني والدبلوماسي— هذه بعض من أنيابنا الحديثة، وهذه مع ادوات الردع الاخري تحرم على أي عدو أن يأكلنا.
حفظكم الله وأعاد لكم الأمان والكرامة. نحن معكم، وإلى جانبكم، حتى يشرق الفجر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى