
تمرّ مصر في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها بمأساة مزدوجة، قمع سياسي مروّع يُمارَس ضد الشعب، وانهيار أخلاقي متسارع يهدد هوية الأمة وقيمها. فمنذ انقلاب الثالث من يوليو عام 2013، دخلت البلاد نفقًا مظلمًا، باتت فيه أدوات الحكم هي القمع والسجن والقتل بدلًا من الحوار والإصلاح والتنمية. بل تعدّى الأمر حدود الاستبداد التقليدي، إلى حرب معلنة على الإسلام، وثوابته، ومؤسساته، ورموزه، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، كأكبر فصيل إسلامي منظم في مصر والعالم.
“العسكر وحربهم على الإسلام”
منذ انقلاب العسكر، اتضحت معالم مشروع واضح يستهدف الإسلام كمنهج حياة، لا كدين يُحبس في الزوايا. فتم تجريم الدعوة، وتشويه الدعاة، وإغلاق الجمعيات الإسلامية، وملاحقة العلماء، وتدجين الأزهر، وتجفيف منابع التديّن. تم الزج بآلاف العلماء والدعاة والمصلحين في السجون، لا لذنب اقترفوه إلا أنهم أرادوا لهذا الوطن أن يُبنى على أسس العدل والإيمان والحرية.
لم يكن الانقلاب مجرد انتقال للسلطة، بل كان قطيعة كاملة مع المشروع الإسلامي في الحكم والنهضة. فكل صوت حر ينادي بالإصلاح صار إرهابياً، وكل دعوة للأخلاق صارت رجعية، وكل مقاومة للظلم صارت خروجًا على الدولة.
“الانهيار الأخلاقي الشامل”
الأنظمة الفاسدة حينما تسحق الحركات الإصلاحية، فإنها لا تكتفي بذلك، بل تنشر الفساد والإفساد، وتروّج للفجور والتفاهة والمجون، حتى تقتل في الأمة روح المقاومة. واليوم، نرى في مصر كيف أصبحت المجاهرة بالكبائر والفواحش ظاهرة مجتمعية، لا تُنكرها الدولة بل تحتضنها وتروّجها.
أصبحت الشوارع، والمدارس، والبرامج الإعلامية، منصات لطمس الحياء وتزيين الفجور، وبرزت ظواهر مخزية مثل التشجيع على الشذوذ، وتطبيع الرذيلة، وتغييب القدوة الأخلاقية.
كل الأديان السماوية تحرّم الكبائر، ولكن الدكتاتورية لا تعترف إلا بالقوة والقهر، ولا تبالي بسقوط الأخلاق ما دام الناس خانعين. حتى الطفل ياسين- الذي صدم المجتمع مؤخرًا بواقعة مروعة- أصبح ضحية لنظام لا يعرف للعدالة ولا للرحمة طريقاً. القصة ليست في حادث فردي، بل في منظومة منهارة أخلاقيًا وسياسيًا.
“فساد الدولة من أعلى الهرم”
في ظل حكم العسكر، لم تعد الدولة مؤسسات محترمة تقوم على القانون، بل تحوّلت إلى أدوات لقهر الناس. من الشرطة إلى القضاء إلى الإعلام والتعليم، تماهت كل المؤسسات في منظومة واحدة “الطغيان”.
الشرطة تُمارس التعذيب، والقضاء يُشرعن الظلم، والإعلام يُضلّل الشعب، والتعليم يقتل التفكير الحر. كيف لوطن يُفترض أنه مهد الحضارة، ومركز العالم الإسلامي، أن ينهض في ظل هذا الانهيار الكامل؟
“الطريق إلى الخلاص”
لن تعود مصر إلى موقعها الطبيعي بين الأمم، ولن تسترد ريادتها الإسلامية والحضارية، ما لم نكسر قيد الاستبداد، ونستعيد الحريات، ونطلق سراح المظلومين، ونعيد للمسجد دوره التربوي، وللدين مكانته في بناء المجتمع.
إن الإصلاح لا يبدأ من فوق، بل من وعي الجماهير. على الأحرار أن يتحدوا، وعلى الأمة أن تتحرك، وعلى الشعب أن ينهض ليضع حدًا للطغيان، ويُسقط هذا الحكم الجائر، ويُعيد الوطن إلى مساره القويم.
خاتمة: ياأهل مصر، لا تظنوا أن الله غافل عما يفعل الظالمون. المجاهرة بالمعاصي، والسكوت عن الظلم، والتخلي عن الدين، كلّها نذر عذاب إن لم تُقابل بانتفاضة روحية وأخلاقية وشعبية. إن معركة التحرير ليست فقط ضد العسكر، بل ضد الجهل، والخوف، والفساد.
يا أحرار الأمة، اتحدوا، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والمشاركة في تحرير مصر واجب ديني وتاريخي.
اللهم احفظ مصر، واحفظ الإسلام، واحفظ الأمة من شر الطغاة، وارزقها النصر والتمكين.