العالم العربي

بسبب حظر الأونروا.. العدل الدولية تنظر في ثالث قضية رأي استشاري ضد دولة الاحتلال 

محكمة العدل الدولية تبدأ جلسات استماع حول حظر الأونروا وتأثيره على المساعدات إلى غزة

بدأت محكمة العدل الدولية اليوم الاثنين جلسات استماع تتعلق بحظر المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث تناقش المحكمة التزام سلطات الاحتلال بضمان وصول المساعدات إلى السكان الفلسطينيين. يأتي هذا السماع في إطار القضية الاستشارية الثالثة التي ترفع ضد دولة الاحتلال، والتي تسلط الضوء على الأوضاع الإنسانية المتدهورة في المنطقة.

منذ مارس/آذار الماضي، فرضت سلطات الاحتلال حظراً على كافة المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى عدم وصول أي طعام أو ماء أو أدوية للمدنيين في غزة، الذين يقدر عددهم بنحو 2.3 مليون نسمة. هذا الحظر ساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية السيئة بالفعل، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية.

وقال متحدث باسم محكمة العدل الدولية: “نحن هنا لنبحث في التزامات الدول بموجب القانون الدولي، وهو ما يتطلب ضمان حقوق الإنسان والعيش بكرامة لكل إنسان، بغض النظر عن الظروف”. هذه القضية تعكس الأهمية الملحة للاستجابة الدولية للتحركات التي تقوم بها سلطات الاحتلال والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة الفلسطينيين.

وجاءت هذه القضية ردًا على حظر الاحتلال لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في أكتوبر/تشرين الأول، وهو حدث أثار غضبًا عالميًا ودعوات لطرد تل أبيب من الأمم المتحدة بسبب اتهامات بانتهاكها ميثاق الأمم المتحدة التأسيسي، وخاصةً الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها وكالات المنظمة الدولية.

وتتزامن جلسات محكمة العدل الدولية مع استمرار دولة الاحتلال في حظرها للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ 2 مارس/آذار (لأكثر من 50 يومًا)، وتكثيف الهجمات العسكرية التي أودت بحياة مئات المدنيين الفلسطينيين منذ انهيار وقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار.

وستكون هذه ثالث قضية رأي استشاري تُنظر أمام محكمة العدل الدولية منذ عام 2004 فيما يتعلق بانتهاكات الاحتلال للقانون الدولي.

وتُقدّم حوالي 40 دولة، من بينها فلسطين، أدلةً أمام المحكمة في الفترة ما بين 28 أبريل/نيسان إلى 2 مايو/أيار، ومن المقرر أن تُلقي الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لدولة الاحتلال، كلمةً في قصر السلام يوم الأربعاء 30 أبريل/نيسان.

وذكر البروفيسور إيريك بيورغ، الأكاديمي في القانون الدولي الذي قاد الدعوات إلى إصدار الرأي الاستشاري في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: “هذه القضية بالغة الأهمية لمن يؤمنون بالمنظمة الدولية والأمم المتحدة، ويرغبون في حمايتهما من الإجراءات الأحادية الجانب والتدمير”.

وأضاف بيورغ في حديثه لموقع ميدل إيست آي: “عدد كبير جدًا من الدول المشاركة تؤكد أن دولة الاحتلال مُلزمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة بتقديم كل مساعدة ممكنة للأونروا ومُلزمة تمامًا باحترام امتيازاتها وحصاناتها”.

وأوضح: “هناك مجموعة صغيرة من الدول المارقة من بينها إسرائيل نفسها والمجر والولايات المتحدة تُجادل ضد هذا الموقف الأغلبية”.

وأشار بيورغ إلى أن وزارة العدل الأمريكية قررت يوم الخميس أن الأونروا ليست بمنأى عن الإجراءات القانونية في الولايات المتحدة، وهو موقف قد تُكرره في جلسات هذا الأسبوع، واصفًا إياه بأنه “موقف ميئوس منه تمامًا”.

ما هي القضية المطلوب من المحكمة أن تُصدر حكمها فيها؟ وتُعقد جلسات الاستماع بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024 (A/RES/79/232)، والذي حظي بتأييد النرويج بشكل رئيسي، والذي يطلب من المحكمة إصدار رأي استشاري بشأن المسائل التالية:

“ما هي التزامات إسرائيل، كقوة احتلال وعضو في الأمم المتحدة، فيما يتعلق بوجود الأمم المتحدة وأنشطتها، بما في ذلك وكالاتها وهيئاتها، والمنظمات الدولية الأخرى، والدول الأخرى، في الأرض الفلسطينية المحتلة وفيما يتعلق بها، بما في ذلك ضمان وتسهيل توفير الإمدادات الضرورية والعاجلة لبقاء السكان المدنيين الفلسطينيين، دون عوائق، بالإضافة إلى الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية والإنمائية، لصالح السكان المدنيين الفلسطينيين، ودعمًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير؟”.

ودعا طلب الجمعية العامة المحكمةَ إلى البتّ في المسألة المذكورة أعلاه بالاستناد إلى عدد من المصادر القانونية، ومنها: ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وامتيازات وحصانات المنظمات الدولية والدول بموجب القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ذات الصلة.

كما استند الطلب إلى الآراء الاستشارية السابقة للمحكمة والتي تشمل الرأي الصادر في 9 يوليو/تموز 2004 الذي أعلن عدم شرعية جدار الفصل الذي أقامه الاحتلال في فلسطين المحتلة، والرأي الصادر في 19 يوليو/تموز 2024، الذي أكد عدم شرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، والتزامها كقوة احتلال بدعم حقوق الفلسطينيين.

هل سيكون رأي محكمة العدل الدولية ملزمًا لدولة الاحتلال؟ في حين أن معظم الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية ليست أوامر ملزمة قانونًا، كما هو الحال في أحكام محكمة العدل الدولية في القضايا الخلافية بين الدول، إلا أن الرأي في هذه الحالة سيكون ملزمًا.

فقد استند طلب الرأي الاستشاري إلى بند تسوية المنازعات الوارد في المادة 8 من الاتفاقية العامة لامتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها، والذي ينص على أن الرأي الصادر عن محكمة العدل الدولية بناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الاتفاقية “يُقبل كحكم حاسم من قبل الأطراف”.

وتعد الأونروا المصدر الرئيسي للدعم الإنساني لما يُقدر بنحو 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في فلسطين المحتلة والدول المجاورة التي تستضيف لاجئين فلسطينيين، حيث توفر الخدمات الأساسية كالتعليم والغذاء والرعاية الطبية وتوزيع الوقود، وقد يؤدي إغلاقها حتمًا إلى انهيار شريان الحياة الرئيسي للفلسطينيين.

ووفقًا لأحدث تقرير للمنظمة عن الأوضاع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقد قتلت سلطات الاحتلال ما لا يقل عن 290 موظفًا من موظفي الأونروا، ونفذت ما لا يقل عن 830 هجومًا على منشآتها والأشخاص الذين يحتمون بها.

كيف حظرت سلطات الاحتلال الأونروا؟ أقرّ برلمان الاحتلال (الكنيست) قانونين في أكتوبر/تشرين الأول 2024 يحظران على الأونروا العمل في الداخل المحتل وكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وجاء سن هاتين المادتين بعد وقت قصير من مصادرة سلطات الاحتلال لأراض في القدس الشرقية المحتلة حيث يقع مقر الأونروا، حيث تخطط دولة الاحتلال لبناء 1440 وحدة استيطانية في الموقع، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي.

ومن الناحية العملية، فإن هذين القانونين يحظران على الأونروا العمل داخل إسرائيل وغزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

ويُعد هذا الحظر بمثابة إلغاء للامتيازات والحصانات التي تتمتع بها منظمات الأمم المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وقد دخل الحظر حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني.

وينص القانون الأول على أنه لا يُسمح للأونروا “بتشغيل أي مؤسسة، أو تقديم أي خدمة، أو ممارسة أي نشاط، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”، في إسرائيل، فيما يحظر القانون الثاني على المسؤولين والوكالات الحكومية الإسرائيلية الاتصال بالأونروا، الأمر الذي سيؤثر حتمًا على الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الأونروا بموجب القانون الدولي.

ورحبت جولييت توما، مديرة الاتصالات في الأونروا، بجلسات محكمة العدل الدولية، قائلةً إن حظر الاحتلال على المنظمة قد أعاق قدرتها على تنفيذ ولايتها.

وأوضحت توما لموقع ميدل إيست آي: “منذ دخول هذه القيود حيز التنفيذ في نهاية يناير/كانون الثاني، لم يحصل موظفو الأونروا الدوليون على تأشيرات لدخول إسرائيل، وهم ممنوعون فعليًا من الوصول إلى الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة”.

وأضافت أن العديد من مرافق الأونروا، بما في ذلك مدارس في القدس الشرقية المحتلة، لا تزال مهددة بأوامر الاحتلال بإغلاقها.

وقالت إنه من المرجح أن يُحرم حوالي 800 طفل يلتحقون حاليًا بمدارس الأونروا في تلك المنطقة من التعليم إذا أغلق الاحتلال هذه المدارس.

أوضحت توما أن سياسة عدم التواصل التي فرضتها مشاريع القوانين، والتي تمنع المسؤولين الإسرائيليين من التواصل مع مسؤولي الأونروا أو التنسيق معهم تعيق إيصال خدمات الإغاثة الأساسية والمساعدات.

“الأونروا كوكالة تابعة للأمم المتحدة تُقدم خدمات التنمية البشرية لواحدة من أكثر المجتمعات ضعفًا في المنطقة، ومن واجب إسرائيل كقوة احتلال تقديم الخدمات أو تسهيل إيصالها، بما في ذلك من خلال الأونروا، إلى السكان الذين تحتلهم” – جولييت توما، الأونروا

لماذا حظر الاحتلال الأونروا؟ وعلى الدوام، اتخذت حكومة الاحتلال مواقف معادية للأونروا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تمسك الأخيرة بتوصيفها لوضع الفلسطينيين الذين طُردوا من ديارهم في نكبة عام 1948 وأحفادهم بأنهم لاجئون.

وفي أواخر يناير/كانون الثاني 2024، اتهمت سلطات الاحتلال 12 عاملًا في الأونروا بالتورط في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي قادتها حماس، زاعمةً أنهم وزعوا ذخيرة وساعدوا في عمليات اختطاف مدنيين.

وفي أبريل/نيسان من العام الماضي، لم يجد تحقيق أجرته الأمم المتحدة أي دليل على ارتكاب موظفي الأونروا أي مخالفات، مشيرا إلى أن سلطات الاحتلال لم تستجب لطلبات الحصول على الأسماء والمعلومات، ولم “تبلغ الأونروا بأي مخاوف ملموسة تتعلق بموظفي الأونروا منذ عام 2011”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى