مصرملفات وتقارير

توتر غير معلن بين مصر والصومال بسبب تقارب مفاجئ مع إثيوبيا

شهدت العلاقات بين مصر والصومال خلال الأشهر الأخيرة حالة من الجمود المتصاعد وسط تحولات استراتيجية شهدتها منطقة القرن الإفريقي أدت إلى تغيير في مواقف الحلفاء الإقليميين ودفعت القاهرة لإعادة تقييم علاقتها مع مقديشو

تعطلت منذ عدة أشهر تنفيذ الاتفاقية العسكرية التي وقعتها القاهرة ومقديشو في عام 2023 وهي اتفاقية كانت تُعد من أبرز خطوات تعميق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين بعد زيارات دبلوماسية رفيعة المستوى وتفاهمات ثنائية شملت الجوانب العسكرية والأمنية والتنموية

أوقفت السلطات المصرية فعليًا كافة أشكال الدعم العسكري الذي كانت قد التزمت به سابقًا تجاه الحكومة الفيدرالية في الصومال مما شكل مؤشرا على بداية تغير جذري في العلاقات الثنائية بين الدولتين اللتين طالما شكلتا موقفًا مشتركًا تجاه التهديدات الإقليمية القادمة من إثيوبيا

عززت الحكومة المصرية حضورها الدبلوماسي في العاصمة مقديشو خلال العام الماضي وشهدت تلك الفترة افتتاح السفارة المصرية بمقرها الجديد إضافة إلى تدشين خط طيران مباشر يربط القاهرة بمقديشو كجزء من استراتيجية أوسع لمد الجسور بين البلدين في مواجهة النفوذ الإثيوبي المتزايد

وقعت مصر والصومال بروتوكولا عسكريا في أغسطس 2023 على هامش زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة وسط توترات إقليمية متصاعدة بسبب توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مثيرة للجدل مع إقليم أرض الصومال الانفصالي

رفضت الحكومة الصومالية حينها الاتفاق الإثيوبي باعتباره انتهاكًا واضحًا لسيادة البلاد وأكدت على لسان مسؤوليها أن أي اتفاق مع الكيانات الانفصالية غير معترف به دوليًا يشكل تهديدًا مباشرا لوحدة الأراضي الصومالية وأمنها القومي

شددت جامعة الدول العربية على دعمها الكامل لوحدة الأراضي الصومالية كما أكدت عدة دول عربية من بينها مصر موقفها الرافض لما وصفته بتهديدات تمس استقرار الصومال وسيادته وذلك في رد فعل جماعي على الخطوات الإثيوبية الأخيرة

تبدلت مواقف القيادة الصومالية بشكل غير متوقع بعد مرور أشهر قليلة على زيارتها للقاهرة حيث بدأت الحكومة الفيدرالية في التقارب بشكل لافت مع الحكومة الإثيوبية في ظل وساطة تركية أسفرت عن اتفاق جديد بين البلدين في سبتمبر 2024

أبرمت أديس أبابا ومقديشو اتفاقا ينص على تسوية الخلافات بين الطرفين ويشمل بنودا حول احترام وحدة الأراضي الصومالية مقابل تسهيلات تتيح لإثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر عبر الأراضي الصومالية وهي النقطة التي أثارت قلقا عميقا لدى مصر

استمرت الحكومة الصومالية في توسيع علاقاتها مع إثيوبيا وصولا إلى توقيع اتفاق عسكري جديد في مطلع العام الجاري يسمح بإعادة انتشار القوات الإثيوبية في إطار بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم الاستقرار في الصومال ضمن خطة أوسع لإعادة هيكلة النفوذ العسكري في البلاد

أعلنت مقديشو موافقتها على منح أديس أبابا امتيازات بحرية تشمل استخدام جزء من الساحل الصومالي في خطوة اعتبرها مراقبون انقلابًا سياسيًا على مواقف سابقة وتهديدا مباشرا للمصالح المصرية الحيوية لا سيما ما يتعلق بموقع مصر من أزمة سد النهضة

خشيت القاهرة من أن تؤدي هذه التسهيلات إلى تعزيز النفوذ البحري الإثيوبي على الممرات المائية الحيوية ما قد يمنح أديس أبابا قوة تفاوضية أكبر في ملف مياه النيل ويعزز من قدرتها على التأثير في توازنات الأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر

تراجعت مصر تدريجيا عن مشاريع التعاون الأمني والعسكري التي كانت قد أبرمتها مع الصومال كما أوقفت كافة برامج التدريب والتسليح المقررة سابقًا في مؤسسات الدفاع الصومالية ضمن خطة موسعة كانت تهدف إلى بناء جيش صومالي قادر على مواجهة التحديات الأمنية الداخلية والخارجية

انهارت فعليًا التفاهمات الثلاثية التي جمعت مصر وأريتريا والصومال على مدار العامين الماضيين في ظل تسارع الخطوات الإثيوبية لاختراق هذا التحالف والتقارب مع كل من أسمرا ومقديشو بشكل منفصل مما أحدث شرخًا في المحور الذي سعت القاهرة إلى بنائه كقوة موازية للنفوذ الإثيوبي

سعت أديس أبابا إلى إقناع مقديشو بجدوى التعاون الثنائي على حساب علاقتها مع القاهرة ونجحت في توظيف أدوات دبلوماسية واقتصادية للوصول إلى تفاهمات تعزز مصالحها الإقليمية في منطقة البحر الأحمر وتجعل من التفاهم الإثيوبي الصومالي ورقة ضغط جديدة على مصر

توقع مراقبون أن تشهد الأسابيع القادمة تحركات مصرية دبلوماسية نشطة لإعادة التوازن إلى المشهد الجيوسياسي في القرن الإفريقي ومحاولة تطويق النفوذ الإثيوبي المتصاعد عبر تحالفات بديلة سواء مع جيبوتي أو كينيا أو عبر تعزيز العلاقات مع المؤسسات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالأمن البحري والمائي

تابعت مؤسسات دولية المهتمة بالشأن الإفريقي بدقة التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية الصومالية واعتبرت أن منح إثيوبيا منفذًا بحريًا ولو بشكل جزئي يمثل تغيرًا نوعيًا في ميزان القوى في المنطقة ويعيد تشكيل الخريطة الاستراتيجية للموانئ والممرات الحيوية شرق إفريقيا

ارتفعت مخاوف القاهرة من أن تكون التفاهمات البحرية الجديدة بين مقديشو وأديس أبابا تمهيدًا لمشاريع عسكرية طويلة الأمد على السواحل الإفريقية الشرقية بما في ذلك إقامة قواعد بحرية قد تستخدم في سياقات إقليمية تهدد التوازنات القائمة منذ عقود في المنطقة

تحركت بعض الأطراف الدولية بهدوء نحو تقييم ما يجري في القرن الإفريقي من إعادة ترتيب للمصالح وتوزيع النفوذ حيث تنظر الولايات المتحدة ودول أوروبية بعين القلق إلى احتمالات تحول السواحل الصومالية إلى مراكز دعم عسكري جديد يغير من قواعد الاشتباك الإقليمي

يستبعد مراقبون أن تعود العلاقات المصرية الصومالية إلى سابق عهدها في القريب العاجل ما لم يحدث تحول جذري في السياسة الخارجية الصومالية يعيد الاعتبار للتحالف مع مصر كخيار استراتيجي طويل الأمد يتجاوز الحسابات الآنية مع أديس أبابا

ينتظر المشهد الإقليمي تطورات جديدة قد تحمل مفاجآت في ظل السباق المستمر بين القوى الإقليمية والدولية لإعادة رسم خارطة النفوذ في القرن الإفريقي الذي بات يمثل بؤرة تنافس حيوي على المصالح الاقتصادية والمواقع العسكرية والممرات المائية الاستراتيجية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى