
تشهد منطقة جنوب آسيا توتراً متصاعداً بين الهند وباكستان، ينذر بإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين دولتين تمتلكان السلاح النووي، في سابقة خطيرة قد تكون بوابة لحرب عالمية. وقد زادت حدة هذا التوتر مؤخراً بعد إسقاط طائرة مسيّرة في منطقة كشمير الواقعة ضمن الحدود الباكستانية.
هذه المواجهة تأتي في توقيت بالغ التعقيد دولياً، حيث لا تبدو الحرب ضمن أولويات الإدارة الأمريكية حالياً، لا سيما في ظل استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتفاقم الأزمة مع الصين، بالإضافة إلى تداعيات حرب ترمب التجارية التي لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي.
الولايات المتحدة تجد نفسها في موقف محير: من جهة، شهدت علاقاتها مع الهند تحسناً ملحوظاً في السنوات الأخيرة؛ ومن جهة أخرى، لا يمكن إغفال تاريخ باكستان كحليف مهم في الحرب الباردة ومكافحة الإرهاب، رغم الفتور الذي أصاب العلاقة بعد رفض إسلام آباد المشاركة في الحملة الأمريكية الأخيرة في أفغانستان.
الحرب، دون شك، لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة، التي تحاول جاهدة تجنب فتح جبهات جديدة، خصوصاً في ظل الضغوط الداخلية المتزايدة لسحب قواتها من مناطق النزاع، مثل اليمن، حيث تكبدت خسائر فادحة دون نتائج ملموسة، كان آخرها سقوط طائرة مقاتلة من طراز F-18 فوق الأراضي اليمنية قبل أيام.
في المقابل، تُعد الصين المستفيد الأكبر من تفاقم الأزمة، بحكم قربها الجغرافي والسياسي من باكستان، وهو أمر يثير قلق واشنطن بشدة، إذ قد يدفع بكين لتعزيز نفوذها في المنطقة على حساب المصالح الأمريكية.
أما إسرائيل، الحليف الاستراتيجي للهند، فتنظر للأزمة من زاوية مصالحها الخاصة، خصوصاً فيما يتعلق بخططها لضرب المنشآت النووية الإيرانية. فاندلاع الحرب في جنوب آسيا سيؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد الإقليمي والدولي، وربما يفتح الباب لمواجهات متعددة الأطراف تربك الحسابات الدولية.
في خضم هذه التعقيدات، تبرز هذه الأزمة كفرصة نادرة للعالم العربي والإسلامي لتوحيد الصفوف وتفعيل المواقف المشتركة تجاه قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فرغم محاولات التهميش،
لا تزال فلسطين حاضرة في الضمير العربي والإسلامي بفضل صمود المقاومة، ما أعاد الزخم للقضية على المستويين الإقليمي والدولي، وأجبر العديد من الدول على مراجعة مواقفها، في ظل تعاطف متزايد من مؤسسات أوروبية وأمريكية حرة.
إن توحيد الجهود السياسية والدبلوماسية في هذه المرحلة قد يفتح آفاقاً جديدة لحلول أكثر عدلاً وإنصافاً لقضايانا، ويعيد للعالم الإسلامي ثقله المفقود في النظام العالمي.