مصر ترفض التصورات الأمريكية لخلق موطئ قدم في البحر الأحمر

أعربت مصر عن رفضها للخطط الأمريكية المقترحة لإنشاء موطئ قدم عسكري في البحر الأحمر، عقب تسريبات تتعلق بمناقشات داخل إدارة بايدن حول تنسيق ردود الفعل تجاه هجمات الحوثيين المتزايدة على السفن التجارية.
تناقش الولايات المتحدة مع حلفائها الإقليميين بشكل مكثف خطوات لتغيير منظومة الأمن في البحر الأحمر، في مسعى لتأمين هذا الممر الاستراتيجي الذي يحتفظ بأهمية اقتصادية كبيرة. وقد أظهر النقاش الأمريكي -الذي تم تسريبه مؤخراً على مجموعة تطبيق سيجنال- توقعات بأن تمكن التدخل العسكري الأمريكي من استعادة الأمن في قناة السويس، لكن لم تُحدد شروط هذه التوقعات أو ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لمصر وأوروبا في المقابل.
تتزايد مخاوف مصر من تأثير الضغوط الأمريكية على موقفها الإقليمي، خاصة بعد أن تكبدت خسائر اقتصادية ضخمة تتجاوز 800 مليون دولار بسبب الهجمات الحوثية، وهو ما أدى إلى تحول شركات الشحن الكبرى إلى طرق بحرية أطول عبر إفريقيا. وقد حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من النتائج السلبية للاستثمارات ولإيرادات قناة السويس جراء استمرار هذه الهجمات، التي استهدفت أكثر من 100 سفينة تجارية منذ نوفمبر 2023.
وفي هذا السياق، صرح مسؤول مصري بارز: “ندرك أهمية الأمن في البحر الأحمر لكننا لن نقبل بأي مقترحات قد تؤدي إلى تهميش دور مصر التاريخي كمراقب رئيسي لهذا الممر الاستراتيجي. الأمن لا يُستدام إلا من خلال التعاون الحقيقي وليس الضغوط السياسية.”
الولايات المتحدة تبدأ حملة عسكرية جديدة في اليمن: غارات جوية تهز أركان الحوثيين
أطلقت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، سلسلة من الغارات الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن، تأتي ضمن عملية عسكرية جديدة أطلق عليها اسم “راف رايدر”، مما يعكس تصعيدًا جديدًا في المنطقة.
بدأت الحملة في 15 مارس الماضي، تحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتهدف إلى وقف تهديد الحوثيين، المدعومين من إيران، لاستهداف حركة الشحن في الممر البحري الحيوي. في اليوم الأول فقط، نفذت القوات الأمريكية أكثر من 40 غارة جوية في مناطق مختلفة من اليمن، خاصة في العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة. ووفقًا للتقارير، تجاوز عدد الضربات الجوية بحلول نهاية مارس عدد أي شهر سابق منذ بداية الضربات الأمريكية في اليمن.
وتشير بيانات “Yemen Data Project” إلى أن الغارات الجوية الأمريكية تسببت في مقتل ما لا يقل عن 500 شخص حتى 22 أبريل. وقد أكد الحوثيون مقتل 31 شخصًا جراء هذه الضربات، بينما أفاد مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب بأن الحملة نجحت في استهداف عدد من قادة الحوثيين.
تتواصل الضربات شبه اليومية على أهداف الحوثيين، حيث وصفت القيادة المركزية الأمريكية العملية بأنها متواصلة على مدار الساعة. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن تكلفة العملية العسكرية الأمريكية في اليمن بلغت حتى أوائل أبريل ما يقارب مليار دولار، مع تأثير محدود على تقويض قدرات الحوثيين.
وفقًا لمصادر مطلعة، من المرجح أن يطلب البنتاجون تمويلًا إضافيًا من الكونجرس لمواصلة العملية، إلا أن الموافقة على هذا الطلب تتعرض لتحديات نظرًا للانتقادات المتزايدة داخل أروقة الكونجرس.
القلق الأمريكي يتزايد: مصر ترفض مطالب الدعم العسكري في اليمن
في إطار تصاعد التكاليف والضغوطات، أصبحت الطلبات الأمريكية لمشاركة مصر في المعركة ضد الحوثيين مصدر قلق واضح للإدارة المصرية، حيث تشدد القاهرة على عدم قدرتها على دعم العمليات العسكرية أو المالية.
كشفت تقارير حديثة أن دبلوماسياً أوروبياً قد صرح بأن الإدراة الأمريكية، بقيادة ترامب، تسعى للحصول على دعم عسكري ومالي أكبر من مصر في مواجهة الحوثيين في اليمن. وقد أكدت مصادر مصرية أن الولايات المتحدة ترغب في تعاون لوجيستي يساهم في العمليات العسكرية في البحر الأحمر، ولكن السلطات المصرية أبدت رفضها القاطع للمشاركة العسكرية، مشيرة إلى عدم تمتّعها بالموارد المالية اللازمة.
وفي ظل الاستجابة المصرية السلبية، تُفيد أنباء بأن واشنطن قد أعادت النظر في طلباتها، وذلك بعد رفض مصر تقديم دعم مالي للمهمة. كما بات تصريح ترامب حول ضرورة مرور السفن الأمريكية عبر قناة السويس “مجانًا”، يُعد نتاجاً مباشراً لمطالب سابقة.
تشير المصادر إلى أن موافقة مصر على هذه المطالب قد تؤدي إلى ضغوط مماثلة من دول أخرى، مما قد يُشكل تهديداً لإيرادات القناة – أحد أهم مصادر الدخل القومي. وعلى الرغم من عدم صدور رد رسمي من القاهرة، فقد تم تشكيل لجنة لدراسة كيفية التعامل مع هذه الطلبات.
وجاءت هذه الضغوط في وقت تعاني فيه مصر من عواقب تعطل الملاحة في البحر الأحمر، ولكن المسؤولين المصريين يؤكدون أن هذه المطالب تصبّ في حماية مصالح الأطراف الأمريكية والخليجية ولا تعكس سعيًا حقيقيًا لاستعادة الحركة البحرية.
“رغم أن مصر تتأثر بشكل مباشر من تعطل حركة الملاحة في البحر الأحمر، فإنها تدرك أن المطالب الأمريكية والخليجية تهدف بالأساس إلى حماية مصالح تلك الأطراف” يقول مسؤول مصري، مُضيفًا أن مصر قد تعرضت لمآزق سابقة نتيجة تدخلاتها العسكرية في اليمن.
مصر ترفض المشاركة المباشرة في الصراع العسكري ولكن تواجه ضغوطات استراتيجية من تل أبيب وواشنطن
تتجه الأوضاع في الشرق الأوسط نحو تصعيد جديد مع استمرار الضغوط على مصر من الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الوجود العسكري في البحر الأحمر، وسط تباين في وجهات النظر حول جزيرتي تيران وصنافير.
في ظل تلك التطورات، أكد مسؤول مصري أن الولايات المتحدة لا ترغب في خوض المعركة بمفردها، رغم دعمها لإسرائيل ومواجهتها للحوثيين. وشدد على أن مصر، التي عبّرت عن رفضها للانخراط في أي صراع يهدد السلام في المنطقة، تضغط على شركائها لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وسوريا ولبنان.
وفي الوقت الذي تُظهر فيه مصر عدم رغبتها في المشاركة العسكرية المباشرة في الصراع اليمني، تواجه تحديات جديدة تتعلق بالوجود العسكري الأمريكي الذي تسعى تل أبيب وواشنطن لإقامته في البحر الأحمر بالقرب من القاعدة البحرية الأمريكية في جيبوتي.
وعرضت السعودية، بحسب تأكيدات مسؤولين مصريين، السماح للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير، التي تم نقل السيادة عليها لها في عام 2016. ومع أن هذه الخطوة كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات بين مصر والسعودية، إلا أنها أثارت استياءً واسعًا في الداخل المصري.
قال أحد المصادر الحكومية إنه رغم المصادقة الرسمية على اتفاقية نقل السيادة، لا تزال تفاصيل الترتيبات الأمنية ومضمون الرسائل الرسمية بين مصر والسعودية غير محسومة، مما زاد من تعقيد الوضع الحالي.
وفي سياق التوترات القائمة، أشار المصدر الثاني إلى أن هناك خلافات تتعلق بنشر كاميرات المراقبة السعودية على الجزيرتين، والتي تتجاوز النطاق المسموح به من قبل مصر، مما يزيد من حدة التوتر بين الجانبين.
وقال المسؤول المصري إن عملية النقل لم تُستكمل بعد، مؤكدًا أن هناك انقسامًا في دائرة صنع القرار في القاهرة بشأن القاعدة العسكرية الأمريكية، حيث يعبر بعض المسؤولين عن رفضهم، بينما يرى آخرون أنه لا يمكن لمصر تجاهل الطلب السعودي.
مخاوف مصرية من الوجود العسكري الأمريكي وتأثيراته على الأمن والاستثمار في المنطقة
تسلط تصريحات المسؤولين المصريين الضوء على المخاوف المتزايدة من تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج، حيث ترى القاهرة أن ذلك قد يؤثر سلبًا على استثماراتها وعلاقاتها الاستراتيجية.
تعبّر مصر عن قلقها إزاء التأثير المحتمل لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية في خليج السويس. وتعد هذه الاستثمارات أمرًا حيويًا بالنسبة للاقتصاد المصري، إذ تعتمد البلاد على شركات من الصين وروسيا لتعزيز نموها الاقتصادي في محور قناة السويس. بيان المسؤولين يشير إلى أن زيادة التواجد الأمريكي قد تؤدي إلى تدهور العلاقات مع بكين وموسكو، وهما شريكان رئيسيان لمصر خلال السنوات الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، أثار المسؤولون مخاوف حول الترتيبات الأمنية في سيناء، حيث تسعى إسرائيل لتقليص عدد القوات المصرية هناك، مما قد يعرقل الجهود في مكافحة تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش. وتؤكد هذه السيناريوهات ضرورة المحافظة على التوازن الأمني والعملي في المنطقة.
من جهة أخرى، فإن إنشاء قاعدة أمريكية ستعزز من العلاقات الأمنية بين السعودية وإسرائيل، مما قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على الدور الإقليمي لمصر وعلاقاتها مع القوى الغربية.
مع ذلك، لا يستبعد المسؤولون المصريون أن تنظر البلاد في الاقتراح السعودي حول الجزيرتين، معتبرين أن هذا قد يتيح لمصر فرصة لتعزيز وجودها الأمني في المنطقة.
يتوقع المسؤولون أن يكون هذا الموضوع محور نقاش خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي ترامب إلى السعودية منتصف مايو.
وفي هذا السياق، أكد مسؤول مصري رابع أن وزير الخارجية بدر عبد العاطي قد ناقش مع المسؤولين السعوديين تفعيل “منتدى البحر الأحمر”، والذي سيشمل عددًا من الاتفاقيات الأمنية المهمة التي تهدف لتأمين الحماية للسعودية من أي تهديدات محتملة.