مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: ريف دمشق في مرمى الصراع.. المشروع الصهيوني الجديد بين مخطط التفتيت وواجب الأمة!

لم تعد ريف دمشق مجرد منطقة جغرافية محاذية للعاصمة السورية، بل باتت عقدة استراتيجية في الصراع الإقليمي والدولي، وساحة اختبار لتوازنات متشابكة بين مشاريع المقاومة ومخططات التمكين الصهيوني. فما يجري هناك ليس حدثًا محليًا منعزلًا، بل جزء من رقعة شطرنج أكبر، تمتد من غزة إلى جنوب لبنان، ومن سيناء إلى الجولان، وتحركها أدوات المشروع الصهيوني المسيحي، بقيادة أمريكية وبغطاء من أطراف إقليمية متورطة أو متخاذلة.

“ريف دمشق– عقدة الجغرافيا السياسية”
ريف دمشق، بجغرافيته المفتوحة على لبنان، وقربه من الجولان المحتل، وموقعه بين النفوذين الإيراني والروسي، يمثل إحدى أهم ساحات الصراع المستتر والمكشوف. وقد شهد في الأشهر الأخيرة تصاعدًا في الضربات الإسرائيلية، التي تستهدف مواقع إيرانية أو مرتبطة بحزب الله، في محاولة مستمرة لإعادة رسم قواعد الاشتباك. وفي العمق، تسعى “إسرائيل” إلى تحييد التهديدات الاستراتيجية التي قد تنطلق من هذه الجبهة في أي مواجهة شاملة قادمة.

“دور الطوائف والمكونات المحلية– الدروز والعلويون”
من اللافت في المشهد السوري تزايد النزعة الانفصالية والوظيفية لدى بعض الطوائف، خصوصًا في المناطق الحساسة. فقد لعبت بعض القيادات الدرزية دورًا في تثبيت الهدنة مع “إسرائيل” في الجولان، متذرعة بـ”حماية الطائفة”، مما فتح ثغرة أمنية ناعمة في الجنوب السوري. ومع أن جزءًا من الدروز يرفض هذا الانخراط، إلا أن الحياد السلبي الذي تتبناه القيادات التقليدية يخدم أجندة العدو.
أما العلويون، فمع أنهم ممسكون بمفاصل السلطة في دمشق، إلا أن جزءًا من نخبتهم بات يميل إلى “التعايش الطويل” مع الاحتلال الصهيوني، حفاظًا على ما تبقى من حكم طائفي مهدد بالسقوط. ومع تراجع الدعم الإيراني، وانكفاء روسيا على أولوياتها في أوكرانيا، تزداد شهية الكيان الصهيوني لتمزيق هذا النسيج المتآكل، وتعزيز الفرز الطائفي كمدخل لتفتيت الدولة.

“التخاذل اللبناني والتراجع الإيراني”
جنوب لبنان، الجبهة الأهم في حسابات العدو، يشهد حراكًا مزدوجًا: مقاومة باسلة من حزب الله، لكنها محاصرة ببيئة سياسية لبنانية متخاذلة، عاجزة عن اتخاذ موقف موحد ضد العدوان المتكرر. ولا يمكن تجاهل تغلغل النفوذ الغربي والخليجي في بعض مؤسسات القرار اللبناني، ما يجعل الصوت المؤيد للمقاومة أقل تأثيرًا في لحظات الحسم.
أما إيران، التي كانت اللاعب الأبرز في دعم محور المقاومة، فهي الآن تعيش مرحلة تراجع استراتيجي واضح، بفعل الضغوط الداخلية والخارجية، وسعيها لإعادة التموضع تجنبًا لمواجهة شاملة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”. هذا التراجع يشكل فراغًا خطيرًا، تحاول تل أبيب تعبئته بتوسيع نفوذها في الجنوب السوري، وجرّ بعض العشائر والطوائف إلى مشاريع “تسوية” من طرف واحد.

“تركيا والمطلوب منها في مواجهة المشروع الصهيوني”
تمثل تركيا الدولة الإسلامية الكبرى الوحيدة التي تمتلك أوراقًا جيوسياسية وعسكرية فاعلة في الشمال السوري، ولديها القدرة على التأثير في مجريات الأحداث. لكن المطلوب اليوم من أنقرة، إذا أرادت فعلاً الوقوف في وجه المشروع الصهيوني، أن تعيد ضبط أولوياتها من مجرد حماية حدودها إلى دعم حقيقي لخيار المقاومة، سواء عبر دعم المجتمعات السنية المهجّرة، أو بناء جبهة مقاومة موحدة مع القوى الإسلامية الرافضة للتطبيع.
إن التعويل على “التسويات المرحلية” و”الضبط الأمني” قد يمنح بعض الاستقرار المؤقت، لكنه لا يوقف عجلة التمكين الصهيوني، ولا يُعيد لدمشق ومحيطها دورها التاريخي في مواجهة الاحتلال.

“واجب الأمة – الشعوب والحكّام”
أمام هذا المشهد المركّب، لا بد من إعادة طرح السؤال الجوهري: أين الأمة؟ إن الصمت الرسمي، بل الدعم غير المباشر لبعض الحكومات العربية للمشروع الصهيوني، يمثل خيانة لدماء الشهداء في غزة وجنين وريف دمشق. أما الشعوب، فعليها أن تعود إلى ميادين التأثير: في الإعلام، وفي الفكر، وفي الشارع، وفي صناديق الدعم.
كما أن على العلماء والمفكرين كسر حاجز الخوف، واستنهاض الخطاب المقاوم، ووضع حد للخطابات التبريرية التي تشرعن الاحتلال والتطبيع. لا بد من مشروع نهضوي مقاوم، يجمع بين السياسة والفقه والثقافة، ويعيد بوصلة الأمة نحو القدس، وفك الحصار عن أهلنا في دمشق كما في غزة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى