
في شهر أبريل من كل عام تتجدد الشجون والذكريات عن تجربة إنسانية صعبة مررت بها ومما جدد الذكرى ما سمعته من بعض الشباب من مشاعر اليأس والقنوط من رحمة الله تحت ضغط الواقع الأليم وتسلل مشاعر الجحود والإلحاد بينهم.
في إبريل عام ٢٠٠٨ م بمصر، حدثت احتجاجات شعبية واسعة النطاق نظمتها حركة الشباب ٦ إبريل ضد مبارك.
كانت الأجواء في مصر ملتهبة لكنها في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية أخذت بعدا آخر
حيث كان ينتظر أن يضرب عمال أكبر شركة للغزل والنسيج في الشرق الأوسط عن العمل، وكان الأمن متحفز للغاية وتواجد بأعداد هائلة ومتنوعة مما حول الاحتجاجات إلى ما يشبه الثورة الشعبية ضد مبارك وبدأت التظاهرات تنادي بسقوط الطاغية وتزايدت الأعداد وبدء الأمن يطلق الرصاص على المتظاهرين.
وقتها كان لدي تواصل مع معظم القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العالمية فأخذت أنقل الصورة لهم كما أراها حتّى جاءت أهم صورة، إسقاط صورة كبيرة لمبارك من قبل المتظاهرين وتمزيقها ووضع أقدامهم عليها وجاءتني الصورة ونشرتها على مدونتي حيث كانت المدونات هي التريند وقتها.
ونشرت في صدر الصفحات الأول بوكالات الأنباء والصحف حتى جعلتها صحيفة الدستور بطول أول صفحاتها وأعتبرها كثير من المحللين الشرارة لأول ثورة شعبية في العالم العربي في العصر الحديث ضد أهم زعيم وقتها في المنطقة مبارك.
واعتقلت بعدها وتم تعذيبي بأشكال مختلفة على التغطية الإعلامية لأول ثورة الشعبية ضد مبارك.
عشت فى عنبر التأديب في زنزانة إنفرادية متر في متر ونصف، هي مرحاض حمام أرضي لا يوجد مصدر للمياه ورائحة الفضلات تمنعني من التنفس وأكاد اختنق وأحاول حشر أنفي في عقب الباب حتى تدمى أنفي بحثا عن هواء نقي اتنفسه.
وجاء هذا الضجيج الهائل كأن صافرة قطار تنطلق في أذنك مباشرة طيلة ٢٤ ساعة، فكان عذاب فوق العذاب من الضجيج الهائل الذى كان يحدثه البلطجية المجاورين لى فى الزنزانة حين يبدأ تأثير المخدرات التى يتعاطونها بالإنتهاء فيأخذوا فى طرق الأبواب بدون توقف 24 ساعة.
فلم أنم لحظة واحدة لأيام طويلة ، فضلا عن صداع مزمن لا ينتهى، مما أرق مضجعى ونغص علىّ حياتى فكان بلاءاً فوق البلاء، أوشكت فيه مقاومتى على الإنهيار واستنفذت كافة سبل الإحتجاج كما نوهت من قبل حتى الإضراب عن الطعام، فأُغلقت دونىِ الأبواب وبلغت الروحُ الحلقوم، حتى جاءنى الفرج من حيث لا أنتظر!.
أحب أن أشير بداهةً أن ما حدث معى لم يكن صلاح فيّ ولا لأهليّتى لذلك فأنا أعلم الناس بضعفى وتقصيرى.
ولكن الأمر كما يقول علماء القلوب أن هناك صنفين من البشر يستجيب الله لهما ويحيطهما برعايته بغض النظر عن تقصيرهما فى حقه، ألا وهما: المضطر يتدخل المولى برحمته التى وسعت كل شىء ليفرج كربه.
والآخر هو المظلوم والذي أقسم الله بنفسه أن ينصره بعدله ولو بعد حين، حتى لو كان كافرا.
لذا أرجوا أن يفهم كلامى من خلال هذا السياق واللهُ مطلعُ على السرائر.
حين كنت أعاني ما أعانيه إستبدت بىَ الظنون ودخلت علىّ هواجس الخوف والرعب واليأس وأحسست أنى مقدم على مرحلة صعبة هذه أولُ بوادرها.
حتى فُتح علىّ الباب وأنا على هذه الحالة وأدخلَ السجّان فى الزنزانة المجاورة لى وافداً جديداً وأمسكت قلبى بيدىّ وأخذت أتسائل من أى نوعٍ هو ؟ مزعج أم هادىء النفس ؟
وظللت متوجسا غاية التوجس، أنتظر ما سيحدث، تمر الساعات على بطيئة متثاقلة كنت أنتظر فى تلهف أن أرى أو أسمع ردود أفعاله بعد ساعات من الحبس و كان وقتها قد دخل فى نوم عميق منذ أن دخل وبينما أنا على هذه الحالة ، إذا به ينادى يستيقظ و ينادى علىّ : يا أستاذ ، قلت لنفسى قبل أن أرد عليه و بدأت المشاكل ! سوف يطلب منى طلبات لا أستطيع أن ألبيها له و هنا تتكرر مأساتى.
لكنى و جدته يكلمنى فى وداعة و هدوء و يطلب التعرف على فعرفته بنفسى فى إقتضاب فإذا به يواجهنى بهذا الطلب العجيب الغريب !! ، قائلا لقد جاءنى فى المنام من يقول لى ( آية 608 ) فهل تعرف هذه الآية ؟ ! .
فقلت له فى إندهاش عظيم لا أعرف آية فى كتاب الله تحمل هذا الرقم ، فقال لى فكّر فهذا الخاطر ألحّ علىّ كثيراً وأنا نائم و لا أجد له تفسيراً !! ،
فأحسست عندها أنى إستعد لإستقبال رسالة ما ساقها الله إلىّ على لسان هذا المسجون البلطجي المتعاطي للمخدرات الغريب!!
الذى لم يدخل إلا منذ ساعات معدودة ، فتحت المصحف ووقعَ فى قلبى وعقلى أن هذه الآية ربما تكون هى مجموع الآيات التى تسبقها فى المصحف و فعلاً بدأت فى جمع عدد آيات السور من أول الفاتحة حتى و جدت الآية ( 608 ) هى الآية السابعة عشر فى سورة الأنعام.
قال تعالى (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شىءٍ قدير ) وذهلت وسكت و بكيت ! لقد وصلت الرسالة ، واضحة ، جلية، منبهة ، موجهة ، شافية !!.