العالم العربي

السعودية تطالب بقاعدة أمريكية في تيران وصنافير ومصر ترفض بشدة هذا الاقتراح

أشعلت السعودية خلافاً جديداً مع مصر بعدما طرحت مقترحاً غير معتاد يقضي بالسماح للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة واللتين كانتا محل جدل سياسي وقانوني طويل منذ عام 2016

أعلنت السعودية تمسكها بالخطة الجديدة التي تهدف إلى تمكين الجيش الأمريكي من مراقبة الملاحة في قناة السويس ومنع أي محاولات محتملة لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة ولبنان لا سيما تلك التي يُشتبه في أنها قادمة من إيران وهي الخطوة التي رأت فيها المملكة تأميناً إستراتيجياً لها ولحلفائها في المنطقة

أشارت مصادر مطلعة إلى أن المقترح قوبل بتحفظ واسع داخل دوائر صنع القرار في القاهرة التي اعتبرت الخطوة تدخلاً مباشراً في الشأن السيادي وأعربت عن خشيتها من تبعاتها الأمنية والاقتصادية على المدى البعيد في ظل التعقيدات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة

رفضت مصر بشكل غير معلن الطلب السعودي بإقامة قاعدة أمريكية على الجزيرتين خشية أن يؤدي هذا الوجود العسكري إلى إرباك التوازن الأمني في سيناء الذي استقر عقب اتفاقيات أمنية دقيقة أبرمت مع إسرائيل خلال السنوات الأخيرة بما في ذلك السماح بزيادة عدد القوات المصرية ونقاط التفتيش الأمنية في شبه الجزيرة

استنكرت القاهرة في دوائر مغلقة ما قد تؤول إليه هذه الخطوة من إضرار محتمل بالاستثمارات الصينية والروسية في المنطقة خصوصاً في محور قناة السويس حيث تبلغ قيمة الاستثمارات الأجنبية من موسكو وبكين في هذه المنطقة الاستراتيجية نحو 18 مليار دولار وهو ما يعد تهديداً مباشراً للتعاون الاقتصادي بين مصر وهذين الحليفين الاستراتيجيين

رفضت الجهات السيادية في مصر أن تكون القاعدة الأمريكية جسراً لتقارب أمني غير مباشر بين السعودية وإسرائيل الأمر الذي من شأنه إضعاف الدور المصري في قضايا إقليمية كبرى لطالما تصدرت فيها القاهرة المشهد في ظل التوازن الحساس الذي تحرص عليه بين القوى الكبرى في المنطقة

أكدت التقارير أن السعودية وضعت الملف ضمن أولوياتها في الاجتماعات التي سبقت الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الرياض والتي كانت مقررة منتصف مايو وتوقعت أن تتم مناقشة تفاصيل المقترح ضمن اتفاقيات أمنية أوسع تشمل البحر الأحمر

أوضحت التقارير أن المسؤولين السعوديين ناقشوا الملف مع نظرائهم المصريين خلال زيارات دبلوماسية متعددة أبرزها لقاء جمع وفداً سعودياً مع مسؤولين مصريين رفيعي المستوى ناقشوا خلاله إمكانية تفعيل المنتدى الأمني للبحر الأحمر المتوقف منذ سنوات إلى جانب توقيع سلسلة من التفاهمات العسكرية التي تتيح للرياض الحصول على ضمانات أمريكية بالحماية العسكرية في حال تعرضها لأي تهديدات

توقعت مصادر مطلعة أن استمرار التوتر المصري السعودي حول هذا الملف سيؤدي إلى مزيد من التأخير في تنفيذ اتفاق نقل السيادة على تيران وصنافير الموقع في أبريل 2016 والذي وافق عليه البرلمان المصري رسمياً في عام 2017 بعد موجة غضب شعبي واسعة واحتجاجات غير مسبوقة في البلاد

أفادت تقارير حكومية مصرية بأن القاهرة لم تتوصل بعد إلى تفاهمات نهائية مع كل من السعودية وإسرائيل حول الترتيبات الأمنية المطلوبة لاستكمال عملية نقل السيادة والتي تشمل بروتوكولات دقيقة تتعلق بتركيب كاميرات مراقبة على الجزيرتين وفق شروط معينة

نوهت الجهات الفنية المعنية في مصر إلى أن المدى التقني المقترح لكاميرات المراقبة السعودية التي يُفترض تركيبها في تيران وصنافير يتجاوز الحدود الجغرافية المتفق عليها ما يؤدي إلى كشف مناطق واسعة من شبه جزيرة سيناء وهو ما تعتبره القاهرة انتهاكاً لسيادتها وتهديداً أمنياً مباشراً

صرحت المصادر ذاتها أن جزءاً كبيراً من التباطؤ المصري في تسليم السيادة على الجزيرتين يعود إلى خلافات داخلية بين مؤسسات الدولة حول مدى جدوى التنفيذ الكامل للاتفاقية في ظل المتغيرات الإقليمية ورفض أطراف سياسية مصرية رئيسية إدخال أطراف دولية إضافية في هذا الملف الحساس

أفادت التحليلات أن اقتراح القاعدة العسكرية لم يأت منفصلاً بل في سياق تحرك سعودي واسع لتوسيع علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال إنشاء محور استراتيجي مشترك في البحر الأحمر يمنح المملكة دوراً محورياً في التحكم بممرات التجارة والنفط العالمية وهو ما تراه مصر تقليصاً لمكانتها الجيوسياسية في واحدة من أهم مناطق نفوذها

زعم محللون أن المحاولات الأمريكية في الأعوام السابقة للتوسط بين مصر وإسرائيل والسعودية لإبرام اتفاق ثلاثي حول مستقبل الجزيرتين باءت بالفشل بسبب تمسك مصر بعدم توريط نفسها في أي تفاهمات أمنية قد تمهد للتطبيع بين الرياض وتل أبيب خصوصاً أن القاهرة لا ترغب في التفريط في ورقة نفوذها الإقليمي مقابل تفاهمات غير متكافئة

أردف مطلعون على الملف أن موقع “أكسيوس” كشف في 2022 أن إدارة بايدن حاولت بالفعل دفع عجلة المفاوضات لإتمام صفقة التطبيع الإقليمي ولكن الموقف المصري الصارم بعدم إدراجها كطرف مباشر في ترتيبات أمنية ثلاثية أحبط تلك الجهود بالكامل

نفت مصادر مقربة من صناع القرار المصريين أن يكون هناك أي نية حالياً للموافقة على إنشاء قاعدة أمريكية في تيران وصنافير معتبرة أن هذا الأمر يخرج عن نطاق ما تم الاتفاق عليه خلال مفاوضات نقل السيادة وأن أية تغييرات في طبيعة استخدام الجزيرتين ستُقابل برفض قاطع من القاهرة

استرسلت جهات فنية سيادية في التشديد على أن مصر لا تزال تملك الحق الكامل في إدارة ملف الجزيرتين بما يتناسب مع مصالحها العليا وبما لا يمس أمنها القومي خاصة وأن الجزيرتين تقعان في منطقة شديدة الحساسية تربط بين قناة السويس وخليج العقبة وتمثل نقطة ارتكاز استراتيجي للقوات البحرية المصرية

استدرك محللون في الأمن الإقليمي أن التصعيد السياسي بين القاهرة والرياض حول هذا الملف قد يؤثر سلباً على مشاريع اقتصادية سعودية كانت مقررة في منطقة قناة السويس تقدر قيمتها بأكثر من 10 مليارات دولار تم التفاوض عليها منذ توقيع اتفاق نقل السيادة عام 2016

أجاب مسؤول سابق بأن جزءاً من الدعم المالي السعودي المتأخر لمصر خلال العامين الأخيرين يعود جزئياً إلى تعثر تنفيذ بنود اتفاق نقل السيادة وعدم التوصل إلى توافق حول الترتيبات الأمنية المطلوبة لاستكمال الخطوة الأخيرة من العملية

أنهى المراقبون التقرير بالتأكيد على أن الموقف المصري يتسم بالحذر الشديد وأن مستقبل العلاقات بين القاهرة والرياض سيظل مرهوناً بالتفاهمات التي سيتم التوصل إليها في الشهور القادمة حول مستقبل تيران وصنافير وتحديد من يملك الكلمة الأخيرة في إدارة هذه البقعة الاستراتيجية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى