شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : المحاكمة المسكوت عنها


هدير القتل والانفجارات ، يعلو على كل صوت، في عالم ترامب
حتى صوت العدل الخافت. الذي يتسرب كشعاع أمل من قاعة في لاهاي، ليلامس قلوب الموتى، ويخفق في الوصول إلى آذان الأحياء.
تفاصيل حياتنا اليومية تشغلنا، بينما تتوارى خلف الستار واحدة من أخطر المحاكمات في تاريخ العدالة الدولية.
جلسات لا تُبث، ولا تُنقل، ولا تُعلق عليها النشرات الاخباريه، وكأنها سر من أسرار الكون. شهادة دامغة على جريمة مستمرة، واحتلال يضع الإنسانية جمعاء على محك الضمير.
في أروقة محكمة العدل الدولية، وقف ممثلو أربعين دولة، ومعهم أصوات الضمير الإنساني. تعرض على القضاة، الحقائق المعفره بتراب القصف و المخضبه بدماء الأبرياء ليروا ما يُرتكب بحق غزة، ليس منذ أكتوبر 2023، بل منذ سبعة عقود من الاحتلال والقتل والإفلات من العقاب.
شهادات تفطر القلوب، ومشاهد تدمي الحجر،
طبيب أسترالي يروي كيف بُترت سيقان سبع فتيات دون مخدر. فلا كهرباء، لا أدوية، ولا سقف يحمي من القصف، فقط صراخ يعلو على وقع الانفجارات، وغبار يختلط بدماء جراح لا تجد من يضمدها.
أخبار المحاكمة في لاهاي، بحثت عنها صباح اليوم، فلم أجد إلا النزر اليسير. فالإعلام الدولي يغض الطرف، و”الخبر العاجل” صار عن أسعار النفط، لا عن أطفال يُبترون في الصمت.
المحكمة الدولية، رغم عظمتها، قد تصدر قرارها دون أن يسمع به أحد، وقد يبقى القرار حبرًا على ورق، طالما ظل الصمت سيد الموقف، و”الحلفاء” أقوى من الضحايا.
أمام القضاة، تحدث عمار حجازي، الممثل الفلسطيني، بلغة لا تحتاج مترجمًا: “هذه ليست قضية شاحنات مساعدة تُمنع، بل حياة تُسلب، ومجتمع يُجتث، ومخطط لتجريف الوجود الفلسطيني من جذوره”.
جنين، طولكرم، الزحف الصامت لذلك التهجيرـالقسري، الذي يراه البعض شبحًا، بينما هو على الأرض حقيقة يومية.
الآف الأطفال تُقتل، كل هذا بات أخبارًا عادية!

وفي مواجهة هذا الظلم، ارتفعت مفاجأة مدوية من باريس.
فرنسا الرسمية، التي كثيرًا ما التزمت الحياد، خرجت عن صمتها هذه المرة.
ممثلها القانوني دييغوـكولاس وقف ليعلن أن على إسرائيل، بوصفها قوة احتلال، أن ترفع الحصار فورًا، وتسمح بدخول المساعدات، وتكف عن استهداف العاملين الإنسانيين.
فرنسا ذهبت أبعد من ذلك، حين اعتبرت أن الأونروا هي الجهة الوحيدة القادرة فعليًا على توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة في غزة.
فبينما الشيخ ياسرـالبرهامي ، يفتي
والرئيس محمودـعباس يصفهم بولاد الكلب
٤٠ـدوله_تدعم_فلسطين!
و انظمه الدول العربية في انتظار عدالة الحلول الأمريكية
لا احد يريد أن يفهم بوضوح ان وهم العدالة الأمريكية، بات أكثر ظلمًا من الظلم الإسرائيلي ذاته.
الموقف الأمريكي- المتكرر
– يحرص أن يظل ، ظلًا للاحتلال،
لا سندًا للعدالة.
البيت الأبيض، الذي يدعي حرصه على إدخال المساعدات، لا يحرك ساكنًا أمام آلاف الشاحنات التي تنتظر على بوابة رفح.
أمريكا تطلب من المواطن في غزة أن يموت بصمت كي لا يُتهم بالإرهاب؟
الجوع من وجهة نظر ترامب “مسألة أمنية” يجب تأمينها من الاستغلال، الحمساوي
بينما القصف الإسرائيلي دفاع عن النفس؟

الظلم الأمريكي لا يسمع أو يريد أن يسمع ان
رفح تستغيث
وان معاهدة السلام التي أنفق عليها مئات المليارات تنهار

في تلك المحكمة، المسكوت عما يجري فيها، يعلو صوت القانون، لكنه لا يُسمع.
ولهذا نكتب، لأن التاريخ لا يُسطره المنتصرون دائمًا، بل من يصرخون بالحق، ولو من تحت الركام.
نكتب لأن الأمل في عدالة العالم قد يُولد من هذه القاعة، إن نحن آمنا به، ودافعنا عنه، وفرضناه على المتخاذلين.
صوت لاهاي هو الصوت الأخير بعد صمت الضمير العالمي
فما يجري في لاهاي اليوم ليس مجرد قضية قانونية،
بل هي معركة فاصلة بين قوة القانون والقوة الغاشمة، بين العدالة والإفلات من العقاب، بين الشهادة والطمس.
لاهاي فرصة أخيرة، وربما نادرة، لأن نُخرج مأساة غزة من دفاتر الصمت إلى منابر الوعي،
من خلف الأسوار إلى صدارة الرأي العام.
إن لم نسمع صوت لاهاي اليوم، فلن نسمع بعد ذلك سوى وقع أقدام الظلم، تدوس ما تبقى منا جميعا علينا أن ندرك أن غزة_لن_تموتـوحدها

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى