اقتصادملفات وتقارير

سنين الغلا تدهس المصريين: أسعار الفول والزيت تنفجر بلا رحمة

أشار الواقع قبل الكلمات… إلى أن المصريين لم يعودوا يأكلون كما اعتادوا .. ففي مصر، لم تعد مائدة الطعام ملاذًا آمنًا، بل صارت ساحة نجاة يومية.

طعام الفقراء تحوّل إلى ترف، وسلع كانت تُشترى بكيس صغير من النقود، أصبحت تُقاس بالآهات .. من الفول إلى الزيت، من الأرز إلى السكر، تقفز الأسعار كل عام قفزات لا ترحم، فيما يقف المواطن عاجزًا أمام الأرفف في المتاجر، يُحدّق في الأرقام ويحسب وجبته القادمة على أصابع الوجع.

موقع “أخبار الغد“، يفتح ملف “سنين الغلا” كما لم يُفتح من قبل، يرصد بالوقائع والأرقام الحقيقية والآراء المفصلة كيف قفزت أسعار السلع من 2015 إلى 2025 بطريقة أثارت الذعر بين المواطنين، وحيرت المختصين، وأشعلت مواقع التواصل.

أسعار تنهش الجيوب: كيف تحولت موائد المصريين إلى ساحة معركة؟

في خضم الأزمات الاقتصادية وتقلّب الأوضاع العالمية، وبينما يتحدث المسؤولون عن “إجراءات تصحيحية”، يعاني المواطن المصري من تسونامي ارتفاع الأسعار الذي طال أبسط السلع الأساسية.

الفول من أكلة الغلابة إلى طبق للأغنياء

أكد محمود السيد، موظف في هيئة البريد: أن “الفول كان طوق النجاة للمواطن البسيط، لكن الآن أصبح يُباع بسعر يوازي وجبة مطعم. في 2015 كنت أشتري الكيلو بـ9 جنيه، في 2020 وصل لـ22، أما الآن فالسعر بلغ 60 جنيهًا. كيف لعامل يتقاضى 3 آلاف جنيه أن يُطعم أسرته فولًا بهذا السعر؟ الغلاء لم يترك لنا شيئًا”.

أشار الدكتور سامح البنا، خبير اقتصادي: إلى أن “ارتفاع أسعار الفول بهذه الصورة يعكس عجز الدولة عن التحكم في السوق، خصوصًا مع اعتمادها على استيراد كميات ضخمة من البقوليات. الفول الذي كان يُزرع بكثافة في الدلتا، أصبح اليوم منتجًا مستوردًا، ما يفتح المجال لتقلبات الدولار والتضخم”.

الأرز .. من طبق يومي إلى ترف موسمي

أوضحت منى عبد الرازق، ربة منزل من شبرا: أن “الأرز كان لا يغيب عن السفرة، حتى في عزّ الأزمات. لكن الآن الكيلو بـ35 جنيه! كنت أشتريه بـ5 جنيه سنة 2015، و10 جنيه في 2020. الأسرة التي تحتاج لـ5 كيلو أسبوعيًا ستدفع 700 جنيه شهريًا على الأرز فقط!”.

أكد الدكتور شريف زيدان، أستاذ الزراعة بإحدي الجامعات: أن “المساحات المزروعة بالأرز تقلصت بشكل كبير بسبب قرارات ترشيد المياه، ما تسبب في نقص المعروض، وفتح الباب للاستيراد. هذه القرارات لها بُعد بيئي، لكنها تجاهلت الأثر الاجتماعي والاقتصادي على ملايين الأسر”.

زيت الطهي يتحول إلى سلعة كمالية

أشار خالد منصور، سائق تاكسي: إلى أن “الزيت كان حاجة أساسية في كل بيت. دلوقتي بقيت أشتري نصف لتر بـ42 جنيه! الزيت كان بـ10 جنيه في 2015، و24 في 2020، و2025 وصل لـ85 جنيه للتر. بطلنا نقلي وبقينا نغلي على نفسنا”.

أوضحت الدكتورة هالة يسري، باحثة في التغذية: أن “ارتفاع سعر الزيت بهذا الشكل كارثة صحية قبل أن تكون اقتصادية. الناس ستتجه للدهون الرديئة أو تقلل الأكل أصلاً، ما يفتح بابًا لأمراض جديدة على المصريين”.

السكر .. الحلو الذي صار مرًا

أكد عبد الله حمدي، موظف حكومي: أن “كيلو السكر اللي كنت أشتريه بـ5 جنيه في 2015، وصل لـ10 في 2020، وحاليًا بـ37 جنيه! أنا أب عندي 4 أولاد، كيف أضبط ميزانية بيت بهذا الشكل؟ نلغيه؟ نخليه للمرضى فقط؟”.

أشار الدكتور أيمن حلمي، أستاذ اقتصاد بإحدي الجامعات: إلى أن “مشكلة السكر تحديدًا تعكس غياب التخطيط الزراعي، وعدم وجود سياسة تسعير واضحة تحمي المواطن. الدولة فقدت القدرة على ضبط الأسواق”.

عزوف عن الشراء .. وتحوّل في نمط الاستهلاك

أوضحت فاطمة البنداري، معلمة من الجيزة: أن “الأسعار أجبرتنا نغيّر نظام أكلنا بالكامل. بقينا نعتمد على الخبز والعدس. بطلنا نحط زيت وسكر زي الأول. حتى ولادي بطلوا يشربوا شاي سكر تقيل”.

أكد طارق الجمل، محلل مالي: أن “الأزمة ليست في السلع فقط، بل في دخول المصريين التي ظلت ثابتة بينما كل شيء تضاعف. المواطن يحاول يتأقلم، لكن ده بيحصل على حساب صحته وكرامته”.

من المستفيد؟ سؤال الغلابة الحائر

أشار أحمد شحاتة، تاجر بقالة: إلى أن “الناس بتلومنا، لكن إحنا نفسنا مغلوبين على أمرنا. الموردين يرفعوا الأسعار كل أسبوع، وأي محاولة نبيع بالسعر القديم تخسرنا. المشكلة في السوق الكبير اللي محدش قادر يتحكم فيه”.

أكدت الدكتورة نسرين عبد المقصود، خبيرة سياسات غذائية: أن “الوضع الحالي خلق طبقة من المستفيدين الكبار من الفوضى السعرية. بينما الطبقة الوسطى تختفي تدريجيًا، والمواطن العادي أصبح يبحث عن القوت لا أكثر”.

صمت الحكومة .. وأزمة ثقة

أوضحت رحاب فؤاد، كاتبة وناشطة حقوقية: أن “غياب الشفافية من المسؤولين خلق فجوة ثقة رهيبة. كل يوم تطلع تصريحات مطمئنة، والواقع يضرب الناس في بيوتها. المصريون يشعرون أنهم تُركوا وحيدين في ساحة المعركة”.

أكد الدكتور محمود سلامة، خبير في السياسات العامة: أن “الحكومة بحاجة إلى إعادة هيكلة كاملة في إدارة ملف الأسعار والدعم الغذائي. ما يحدث الآن هو غياب لسياسات واضحة، وتخبط في معالجة الأزمات”.

هجرة الغذاء المحلي… والاعتماد على الاستيراد

أشار عبد الرحمن توفيق، مزارع من الشرقية: إلى أن “زمان كنا بنزرع فول وعدس ورز، النهارده الفلاح بطل يزرع. تكلفة الزراعة بقيت فوق الاحتمال، والسوق بيشتري المستورد. الدولة لازم تدعمنا بجد، مش شعارات”.

أوضحت دينا عبد الحليم، ناشطة حقوقية ومهتمة بالاقتصاد السياسي: أن “تحول مصر إلى سوق مستورد بالكامل للغذاء جعلها رهينة لموجات التضخم العالمي. ما لم يحدث تغيير جذري في نمط الاستهلاك والإنتاج، الكارثة ستتكرر”.

الأرقام لا تكذب: مقارنة زمنية صادمة

السلعة2015 (جنيه / كيلو جرام)2020 (جنيه / كيلو جرام)2025 (جنيه / كيلو جرام)
الفول92260
الأرز51035
الزيت102485
السكر51037

وفي نظرة سريعة إلى مسار الأسعار خلال عقدٍ واحد، يتضح حجم الكارثة التي ألمّت بمائدة المصريين. الفول، الذي كان يُباع بـ 9 جنيهات فقط للكيلو في عام 2015، قفز إلى 22 جنيهًا في 2020، قبل أن يحلّق في 2025 إلى 60 جنيهًا، ليصبح طبق الغلابة رفاهية صادمة.

الأرز، الذي طالما كان ضيفًا دائمًا على السفرة المصرية، تضاعف سعره من 5 جنيهات في 2015 إلى 10 في 2020، ثم قفز إلى 35 جنيهًا هذا العام.

الزيت، أساس الطهي في كل بيت، تحول إلى عبء ثقيل، إذ ارتفع من 10 جنيهات للكيلو إلى 24 في 2020، ليبلغ ذروته عند 85 جنيهًا في 2025، وهو رقم يثير الذعر في نفوس الأسر محدودة الدخل.

أما السكر، فقد ودّع أيامه الذهبية حين كان يُشترى بـ5 جنيهات، وارتفع إلى 10 في 2020، حتى بلغ اليوم 37 جنيهًا، ليغدو الحلو مرًا في أفواه المصريين.

صوت واحد في وجه الصمت: الجوع يطرق أبواب المصريين بقوة

أكد الجميع أن ما يحدث الآن ليس مجرد غلاء… بل انهيار كامل لمعادلة العيش .. من المواطن البسيط الذي يقتطع من دوائه ليشتري سكرًا، إلى الخبير الاقتصادي الذي يصرخ في وجه السياسات العرجاء، تتوحد الأصوات في صرخة مدوية: كفى تجاهلًا، كفى صمتًا.

لا أحد يطلب المستحيل، فقط الحد الأدنى من القدرة على إطعام أسرته دون إذلال .. فهل تتحرك الدولة قبل أن يتحول الغلاء إلى ثورة جياع؟ وهل تعود الزراعة المصرية لتنتشلنا من فخ الاستيراد؟ أم أن القادم أسوأ؟ هذا ما ستكشفه الأيام .. ولكنها حتى الآن، لا تبشر بخير.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى