مصرمقالات وآراء

شادي طلعت يكتب: مآل العدالة بسرعة إستصدار حكم على رجل مسن

بتاريخ 30 أبريل 2025 أصدرت المحكمة حكماً بالسجن المؤبد على الرجل الثمانيني البالغ من العمر 79 عاماً، بتهمة هتك عرض الطفل ياسين البالغ من العمر خمس سنوات، فى القضية رقم 33773 لسنة 2024 جنايات مركز دمنهور، والمقيدة برقم كلي 1946 لسنة 2024 جنايات كلي وسط دمنهور، طبقاً للمادة 268 من قانون العقوبات.

وقد ثارت ثائرة البعض، بل والكثيرين من الناس على هذا الحكم، فما كان من الجهلاء إلا أن قالوا أن الغضب قد إجتاح المسيحيين من القوم، نظراً لأن المتهم مسيحي الديانة، ليصرفوا النظر عن الخطأ الذي هو جوهر الأمر، وسبب الغضب والضغينة، ويحولوه إلى فتنة طائفية بالباطل.

وفي البداية علينا التأكيد على أمرين :

الأمر الأول : إعلان رفض كل مصري أياً ما كانت ملته أو عقيدته، لتلك الجريمة الشنعاء (جريمة هتك العرض).

الأمر الثاني : أن نجنب الإخوة المسيحيين أي تأويل مفاده انهم يتعاطفون مع المتهم نظراً لكونه مسيحي فقط.

فو الله : قد آثار الحكم حفيظة المسلمين قبل المسيحيين، سواء من القانونيين، أو غير القانونيين.

فساحات المحاكم تكتظ كُل يوم بمتهمين من هنا وهناك، من مختلفي الديانات والعقائد، من دون أي تعصب ديني يذكر، إلا أن قضية الطفل ياسين، باتت قضية رأي عام، فاتجهت الأنظار إليها، وسلطت الأضواء، ونشرت التحقيقات، وباتت البراءة هي المتوقعة من الجميع، نظراً لما اطلع عليه الناس من أوراق الدعوى، حتى جاء القاضي ليصدر حُكم سريع في أول جلسة، بالحكم المؤبد على المتهم، متجاوزاً (حق الدفاع).

وهنا يجب أن تكون لنا وقفة، ويا حبذا لو كانت تلك القضية سبباً لوضع حد لكافة القضاة الذين يتجاوزون عن (حق الدفاع)، والذي هو حق أصيل لكل مواطن، وتجاوزه يعدُ مخالفة صريحة للدستور قبل القانون، فكيف الحال بمحاسبة المخل حتى وإن كان قاضياً.

وليكن حديثنا في هذا المقال، حديث العقل الذي تستقيم معه الأمور.

وأنا عندما أتناول تلك القضية البسيطة التي أراها غير شائكة، فإنني سأتناولها من جانب قانوني بحت، كوني محامي ولطالما لمست الإخلال بحق الدفاع أمام المحاكم، وهذا من الأمور التي حان الوقت للتصدي لها.

وحيث أن العدالة الناجزة، لا تعني السرعة في إستصدار الأحكام والإخلال بحق الدفاع، فكيف للقاضي الجنائي أن يحكم بأول جلسة في دعوى جنائية، إلا لو أنه كان قد بَيَتْ الحكم من قبل بدء الجلسة.

فلا هو رضخ لطلبات الدفاع، والتي قد أجزم أنني قد أعرفها مع أنني لم اذهب لقاعة المحكمة، ذلك لأنها طلبات بديهية، منها ما يخص الطب الشرعي الذي لم يُستدعى لسؤاله على سبيل المثال.

القاعدة العامة : أن لوجود المحامي مع المتهم غرض وعلة، بأن يدرس الدعوى الجنائية دراسة وافية، ومن ثَم يطلب من المحكمة طلبات لصالح المتهم، وعلى المحكمة ان تجيبه لصالح العدالة، فإن حادت المحكمة واخلت بحق الدفاع، إختل ميزان العدالة.

إذاً : ليس حضور المحامي مع المتهم مجرد شكل قانوني، فالمضمون هو المغزى والهدف هو البراءة، فإن حصل الدفاع على حقه وأبدى المحامي الدفاع، والمستندات، وشهادة الشهود، بات القاضي هو الحكم الذي يمسك بالميزان، متخلياً عن مشاعره، وممثلاً للعدالة المعصوبة العينين التي لا ترى الخصوم.

كما أن الإستعجال في النطق بالحكم لا يجب أن يكون إلا بالبراءة وليس بالعقاب، وأن تكون أسباب البراءة ظاهرة، جلية، وأنا كمحامٍ بعد أن اطلعت على بعض أوراق تلك القضية مما هو منشور هنا وهناك، أجد نفسي اتوجه ببعض الأسئلة :

السؤال الأول : كيف للقاضي أن يستبعد الدليل الفني، وهو تقرير الطب الشرعي، من دون مناقشة الطبيب الشرعي ؟

السؤال الثاني : كيف للقاضي أن يستبعد دليل ثبوت في التحقيقات، بأن وجود الطفل في المدرسة كان في أيام عطلة المتهم، كما استبعد أن الطفل لا يستخدم الحمام الخاص بالمبنى الإداري الذي يعمل فيه المتهم ؟

السؤال الثالث : هل قرأ القاضي أوراق الدعوى الجنائية جيداً، أم أنه قد أصدر حكمه من دون فحص وتمحيص، ومن قبل مثول المتهم والمجني عليه، فكان حكمه سريعاً مشوباً بالخطأ ؟

السؤال الرابع : أين نقابة المحامين مما يحدث في المحاكم منذ فترة طويلة، من إخلال جسيم من القضاة بحق الدفاع، في ساحات محاكم الجنح والجنايات ؟

وحتى يعلم العامة من الناس :

فقد بات المتعارف عليه بين المحامين، أنه من النادر جداً ان يحصل محام على البراءة لموكله في معارضات الجنح، وقد جرى العرف الآن على ترك المعارضات في الجنح من دون حضور، ليقين المحامين المسبق بأن الحكم سيكون مآله التأييد، وليس البراءة.

فإذاً .. حتى تستقيم العدالة، لابد من أمرين :

أولاً : أن يتحقق (حق الدفاع) للمتهم فعلاً وليس قولاً.

ثانياً : لابد من محاسبة القضاة الذين تُنقَض أحكامهم في إحدى درجتي الإستئناف أو النقض، ولتكن الإقالة من القضاء هي الجزاء إن زاد الأمر عن حده، كما لا يجب أن يعود القاضي لمنصبه بعد ذلك، ولا يسمح له بالقيد في جداول نقابة المحامين، كعقاب لاحق، فمن فشل في مهنة القضاء لا يحب أن يكون له مكان بين المحامين، فما أحكام القاضي الغير عادلة تمر من دون أذى للآخرين، سواء المحكوم عليهم أو أسرهم أو عائلاتهم، افلا يحاسب إذاً على خطأه.

والآن : ما أراه في قضية الطفل ياسين … أن نتخذها كثمرة لا حنظلة، وذلك بأن نستفيد من الزخم الإعلامي الذي أحاط بها، فتكون سبباً في إصلاح ما اختل من ميزان العدالة.

يا شعب مصر :

إننا جميعاً نقدر ونرفع من قدر القضاء، لكننا لا نرفع ممن يتولون منصب القضاء إلى مرتبة الأنبياء، فهم مواطنون يصيبون ويخطئون، فإن أصابوا لا نقدم الشكر لهم، فهذا عملهم والتزامهم، وإن أخطأوا يكون عقابهم مضاعفاً.

في النهاية :

– لابد من فتح باب الإخلال بحق الدفاع، وإن يطالب كل مصري بحقه في الدفاع.

– ولابد من محاسبة القضاة على أحكامهم، أفلا يكون حكم قد صدر بالعقاب بطريق السهو أو الخطأ أو الإستعجال، سبباً في تحول مآل أفراد أو أسر أو عائلات إلى طريق ضلال أو نهاية مأساوية.

وعلى الله قصد السبيل

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى