العالم العربي

السعودية تطلب إخراج التطبيع مع الاحتلال من جدول أعمال زيارة ترامب

طلبت المملكة العربية السعودية إبقاء الحديث عن التطبيع مع دولة الاحتلال خارج جدول أعمال الزيارة التي يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القيام بها للمملكة في مايو/أيار الجاري.

وثبّت وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود هذا المطلب خلال زيارته إلى واشنطن العاصمة الشهر الماضي للتخطيط لزيارة ترامب إلى المملكة، كما حمل ذات الرسالة في الحوارات اللاحقة بين كبار المسؤولين.

وفي العرف الدبلوماسي، فإنه من الشائع أن يحدد الدبلوماسيون قائمة بنود النقاش قبل زيارة رئيس دولة إلى دولة أخرى، غير أن الطلب السعودي يؤكد مخاوف المملكة من أن أسلوب ترامب المتسرع قد يخلق لحظة محرجة أمام الكاميرا لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وسبق لولي عهد المملكة أن اتهم دولة الاحتلال علنًا بارتكاب إبادة جماعية في غزة، متناغماً مع غضب شعبه من هجومها على القطاع، حيث استشهد أكثر من 52000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين.

وذكر مسؤول عربي لموقع ميدل إيست آي أن “السعودية جادة في عدم الانجرار وراء أي خدعة تتعلق بالاحتلال خلال الزيارة المقبلة، وقد تم توضيح ذلك في واشنطن”.

والتقى الأمير فرحان بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في اجتماع علني بوزارة الخارجية في 9 أبريل/نيسان، دون أن ترشح أي معلومات قبل زيارة ترامب عن وضع السعودية لقواعد أساسية تتعلق برفضها لأي حديث عن التطبيع.

تهميش وزارة الخارجية وقال مسؤول عربي ثانٍ لـ ميدل إيست آي أن فرحان غادر الاجتماع وهو يحس بحالة من عدم الكفاءة في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث أبلغ المسؤولين لاحقًا أن روبيو ووزارته “مُهمَّشين” تمامًا عن عملية صنع القرار من قِبل ترامب.

ويوم الخميس، عُيِّن روبيو مستشارًا “مؤقتًا” للأمن القومي، مع احتفاظه بمنصبه كأعلى دبلوماسي، بعد إقالة ترامب لمايك والتز، وقد استُهدف كلٌّ من روبيو ووالتز من قِبَل مؤيدي ترامب من أصحاب شعار “أمريكا أولًا”.

وأيّد ترامب علنًا قرار الاحتلال الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار المُبرم في يناير/كانون الثاني والعودة إلى الحرب في غزة، لكنه غيّر نبرة حديثه نسبياً قبيل زيارته لمنطقة الخليج العربي.

وقال ترامب إنه أخبر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي: “علينا أن نكون لطفاء مع غزة، هؤلاء الناس يعانون”، ويوم الخميس، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، تامي بروس، ردًا على سؤال حول غزة: “نريد استئناف المساعدات”.

لا مفاجآت يذكر أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وترامب كانا قد ارتبطا بعلاقات وثيقة خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي في منصبه، ولم يبدُ أنهما واجها صعوبة في التوافق في مباحثاتهما، حيث كانت المملكة العربية السعودية أول دولة يزورها ترامب كرئيس عام 2017.

وتمتّع ولي العهد أيضاً بعلاقة عائلية وثيقة مع ترامب، مما أثار غيرة الدبلوماسيين المحترفين الذين اعتادوا القيام بدور الوسطاء بين الرؤساء.

كما كان ابن سلمان على علاقة وطيدة مع صهر ترامب ومستشاره السابق، جاريد كوشنر، الذي كان يُراسله بانتظام قبل أن يبرز اسم ستيف ويتكوف كمبعوث ترامب المُفضّل في هذه الدورة الرئاسية.

وأوضح المسؤولان العربيان أن المخاطر على المملكة العربية السعودية كانت أكبر في هذه الرحلة، بالنظر إلى حرب الاحتلال على غزة، مؤكدين أن الرياض تشعر بالحاجة إلى إدارة برنامج الرحلة بعناية فائقة، حتى على المستوى الفني.

وقال أحد المسؤولين العربيين: “لن تكون هناك مفاجآت أو طلبات غير متوقعة، سواءً علنية أو خاصة، والمملكة العربية السعودية سعت إلى إدارة زيارة ترامب من خلال التركيز على ثلاثة ملفات هي الصفقات العسكرية، والبرنامج النووي الإيراني، والاقتصاد”.

وفي أبريل/نيسان ذكرت رويترز أن إدارة ترامب تدرس صفقة بيع أسلحة بقيمة 100 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية، تتضمن محادثات حول حصول الرياض على طائرات حربية من طراز F-35.

وأعلن ترامب أنه وافق على زيارة المملكة العربية السعودية في أول رحلة خارجية له بعد أن تعهد ولي العهد باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة.

وعادة ما يوظف ترامب اجتماعاته مع قادة العالم لإثارة دهشة نظرائه والمراقبين، ففي فبراير/شباط، وجّه هو ونائبه جيه دي فانس توبيخًا علنيًا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وخلال اجتماع عُقد في أبريل/نيسان مع نتنياهو، أعلن ترامب عن محادثات نووية مع إيران وأشاد بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

اتفاقيات إبراهيم وخلال لقاءاته مع الصحافة، تساءل ترامب مرارًا عن مدى سهولة توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم، ففي اجتماع عُقد في فبراير/شباط الماضي مع نتنياهو، ناقض ترامب السياسة العامة للمملكة العربية السعودية بشكل مباشر عندما قال إن الرياض لا تطالب بدولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وزعم: “الجميع يطالب بشيء واحد، السلام”.

وعبّر ترامب عن نفس الرأي في مقابلة مع مجلة تايم أُجريت في 22 أبريل/نيسان، قائلاً: “أعتقد أن السعودية ستنضم إلى اتفاقيات إبراهيم”.

ويعتبر ترامب اتفاقيات إبراهيم لعام 2020 التي أقامت دولة الاحتلال بموجبها علاقات دبلوماسية مع الإمارات والبحرين والمغرب من أبرز إنجازاته في السياسة الخارجية.

يذكر أن إدارة بايدن السابقة سعت إلى توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم كوسيلة لإصلاح العلاقات مع الرياض بعد أن تعهد بايدن بتحويل ولي العهد محمد بن سلمان إلى “منبوذ” بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

غير أن عزل المملكة أثر سلبًا على بايدن بعد أن أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع المحادثات النووية مع إيران.

وسعت الولايات المتحدة إبرام اتفاق تُطبّع بموجبه السعودية علاقاتها مع دولة الاحتلال مقابل ضمانات أمنية أمريكية، وتسريع مبيعات الأسلحة، ودعم برنامجها النووي المدني.

وعلى مدى عام 2023، ظلت تسريبات إعلامية متواصلة توحي بأن الولايات المتحدة والسعودية على وشك إبرام صفقة كبرى.

وبلغ الأمر بالسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي أصبح وسيطًا بين الرياض وإدارة بايدن، أن يصرّح بأنه إذا لم تُطبّع السعودية علاقاتها مع الاحتلال في عام 2023 أو أوائل عام 2024، “فإنّ النافذة قد تُغلق” إلى الأبد، دون أن يُفسّر السبب.

ويقول محللون وبعض المسؤولين العرب أن هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 على جنوب دولة الاحتلال كان يضع من بين أهداف متعددة إفشال اتفاق التطبيع بين الاحتلال والسعودية، وإعادة الفلسطينيين إلى الأجندة العربية.

وفي جلسة استماع أمام محكمة العدل الدولية يوم الثلاثاء، اتهم محمد سعود الناصر، مدير الشؤون القانونية بوزارة الخارجية السعودية، دولة الاحتلال بـ”السلوك الشنيع” في غزة وفرض حصار “وحشي” على القطاع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى