تصاعد الاحتجاجات السياسية في بنغلاديش: مطالب بإصلاحات قانونية ومحاكمة قادة الحكومة السابقة

شهدت العاصمة البنغلاديشية داكا مؤخرا تصاعدا كبيرا في الاحتجاجات السياسية والاجتماعية التي تعكس تزايد التوترات في الشارع البنغلاديشي بعد مرور تسعة أشهر على إسقاط حكومة رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة.
تجسدت هذه المظاهرات في تجمعات حاشدة شملت قطاعات واسعة من المجتمع، مما زاد من الضغوط السياسية على الحكومة المؤقتة بقيادة المستشار محمد يونس.
من أبرز تلك الاحتجاجات كانت المظاهرات التي نظمتها جماعة “حفظة الإسلام”، وهي جماعة دينية محافظة تعد واحدة من أبرز القوى السياسية في بنغلاديش، حيث تجمّع عشرات الآلاف من أعضائها في داكا في مسعى لرفع مطالب محددة إلى الحكومة.
طالبت الجماعة بإلغاء لجنة إصلاح شؤون المرأة التي شكلتها الحكومة الانتقالية، مشيرة إلى أن بعض خطواتها تتناقض مع تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية.
شدد قادة الجماعة في بيان صادر عنهم على ضرورة تشكيل لجنة جديدة لشؤون المرأة تضم علماء ونساء من التيار الديني، مؤكدين أن هذا التيار يعكس غالبية الشعب البنغلاديشي.
كما رفضت الجماعة أي تغييرات تتعلق بوضع المرأة على ضوء القيم الغربية، وذكرت ضرورة الالتزام بتعاليم الإسلام في الحياة العامة، بالإضافة إلى تعزيز حماية الدين في التعديلات الدستورية القادمة.
ولم تتوقف مطالبات الجماعة عند هذا الحد، فقد شددت أيضا على ضرورة محاكمة المسؤولين عن قمع المظاهرات المعارضة خلال حكم الشيخة حسينة عام 2013، فضلا عن المطالبة بتبرئة المعارضين السياسيين الذين تم ملاحقتهم قضائيا في فترات حكم سابقة.
كما طالبوا بحظر جميع أنشطة حزب “رابطة عوامي” الذي قاد البلاد تحت قيادة الشيخة حسينة لمدة 16 عاما.
في سياق آخر، دعا المحتجون إلى اتخاذ إجراءات قوية ضد الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون في الهند، مؤكدين ضرورة وقف السياسات التمييزية التي تمارس بحقهم.
كذلك، كانت المطالبة بإنهاء الحرب في قطاع غزة وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين جزءا من مطالباتهم، مع التأكيد على التضامن مع الشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، كان هناك توافق لافت بين بعض التيارات السياسية حول بعض المطالب .. فقد أعلن حزب المواطن القومي، الذي أسسه شباب الحراك الذي أطاح بحكومة الشيخة حسينة العام الماضي، تأييده لبعض النقاط التي طرحتها جماعة “حفظة الإسلام”.
وأكد الحزب ضرورة محاكمة قادة “رابطة عوامي” على خلفية الانتهاكات التي وقعت خلال فترة حكمهم، مطالبا الحكومة الانتقالية بعدم إجراء الانتخابات التشريعية قبل محاكمة القادة المتورطين في القمع والانتهاكات.
من جهته، شددت قيادة حزب المواطن القومي على أن حظر نشاط حزب “رابطة عوامي” يجب أن يكون قرارا لا رجعة فيه، مع التأكيد على أن هذا المطلب يتجاوز كونه مجرد “طلب” ليصبح “قرارا” واجب التنفيذ من الحكومة الانتقالية.
في الجهة المقابلة، كانت الجماعة الإسلامية، أقدم الأحزاب الإسلامية في بنغلاديش، قد خرجت في مظاهرات حاشدة يوم الخميس الماضي تزامنا مع عيد العمال، حيث طالبت الجماعة بتوفير الحماية القانونية والاقتصادية للعمال في البلاد الذين يعانون من ظروف العمل القاسية.
ذكرت الجماعة في بيانها أن العمال يواجهون صعوبات كبيرة في مواجهة أصحاب المصانع الذين يتجاهلون حقوقهم الأساسية، ما أدى إلى وقوع العديد من الإصابات والقتلى في صفوفهم.
إلى جانب ذلك، طالب حزب الجماعة الإسلامية بإجراء إصلاحات قانونية تضمن نزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة، مؤكدين ضرورة وجود مراقبين دوليين لضمان تحقيق الشفافية والعدالة في العملية الانتخابية.
كما جددت الجماعة مطالبها بتحقيق التوازن بين سلطتي الرئيس ورئيس الوزراء، مؤكدة على ضرورة ألا يتولى شخص واحد منصب رئيس الوزراء لأكثر من فترتين انتخابيتين.
أما الحزب الوطني البنغلاديشي، الذي تتزعمه خالدة ضياء، فقد أكدت قياداته أهمية إجراء الانتخابات في أسرع وقت، مشيرين إلى أن الحزب يتوقع أن يكون من أبرز الأحزاب في الانتخابات المقبلة، في حال لم تحدث مفاجآت تغير المشهد السياسي.
شدد الحزب الوطني على ضرورة تسليم السلطة لحكومة منتخبة، داعيا الحكومة الانتقالية إلى تحديد خارطة طريق واضحة نحو الانتخابات، حيث يعتقد أن ذلك سيكون خطوة حاسمة لاستقرار البلاد.
أبرزت قيادات الحزب الوطني أهمية الاستعداد للانتخابات دون تأخير، مشيرة إلى أن الشعب البنغلاديشي ينتظر إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
من جانبهم، أكد قادة الحزب أنهم سيتابعون تطورات الوضع عن كثب، مهددين بالعودة إلى الشارع إذا حاولت الحكومة الحالية التمسك بالسلطة بطرق غير ديمقراطية.
ومع تزايد هذا الزخم الاحتجاجي، يبدو أن بنغلاديش دخلت مرحلة جديدة من التحولات السياسية التي ستحدد ملامح المستقبل السياسي للبلاد.
يسعى العديد من الأطراف السياسية إلى تشكيل واقع جديد يعكس تطلعات الشعب البنغلاديشي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
يترقب العديد من المراقبين في بنغلاديش والمهتمين بالشأن السياسي في المنطقة ما ستسفر عنه هذه التطورات، إذ يتوقع أن تشهد البلاد مزيدًا من التحولات السياسية والاقتصادية في الفترة المقبلة، وهو ما يستدعي التحرك بشكل عاجل من قبل الحكومة الانتقالية لوضع حلول تحقن الوضع وتضمن استقرار البلاد.