تونس والجزائر: مواجهة تحديات مشتركة في ظل مخاطر إقليمية متزايدة

أكد خبراء في تقرير حديث أن تونس والجزائر تتقاسمان تحديات حيوية تتعلق بالأمن الإقليمي، حيث تبرز المخاطر المرتبطة بالتوترات في دول الساحل ومشاريع الطاقة كعوامل تؤثر على البلدين بشكل مباشر.
وقالت الخبيرة، وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيّس، إن “الشريط الحدودي الجنوبي الذي يربط الجزائر بدول الساحل مثل مالي والنيجر وتشاد يمثل مصدر قلق دائم للجزائر، وهو أمر يهم تونس أيضا”. وأضاف أن التحديات الأمنية لا تقتصر على جانب واحد، بل تتطلب تعاونًا وثيقًا بين الدولتين لمواجهة الظروف المتغيرة في المنطقة.
وذكر التقرير أن التوترات في دول الساحل، وخصوصًا في ظل تزايد النشاطات الإرهابية، تمثل عامل ضغط مستمر على استقرار الجزائر وتونس. كما تتحدث الوثيقة عن مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي يمثل فرصة اقتصادية ولكن أيضًا يحمل في طياته تحديات أمنية ولوجستية يجب التصدي لها بشكل جماعي.
“إن الأمن الإقليمي يتطلب استجابة منسقة بين الجزائر وتونس لمواجهة التهديدات المشتركة، وبخاصة فيما يتعلق بقضايا الحدود والتحولات الاقتصادية” – أحمد ونيّس
توترات إقليمية تهدد استقرار تونس والجزائر: دعوة للتنسيق المشترك
في ظل الأوضاع الجيوسياسية المتغيرة، يشير الصحفي الجزائري المقيم في تونس، نصر الدين بن حديد، إلى أن العالم بأسره يشهد توترات متعددة تمس مختلف المجالات. تتضمن هذه التوترات أبعادًا إقليمية وعربية وإسلامية ودولية، مما يضع الدول على المحك خاصة تلك القريبة من مناطق النزاع.
أكد الخبراء أن التوتر القائم بين دول الساحل والصحراء والجزائر له انعكاسات واضحة على تونس، سواء من الناحية الأمنية أو من حيث التهديدات المرتبطة بالهجرة السرية والجريمة المنظمة. وقد أشار كلا من وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيّس، والصحفي نصر الدين بن حديد،، إلى أن هذه القضايا تمثل تحديًا حقيقيًا يتطلب تحركًا منسقًا بين البلدين.
ولفت بن حديد إلى أهمية موضوع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي يشغل اهتمام الحكومتين، مشدداً على أن هذه القضايا ينبغي أن تحظى بأولوية في أجندة تونس والجزائر في ظل التصعيد الحالي للتوترات.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيّس على ضرورة الوحدة والتعاون بين الدول المعنية لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، مشيرًا إلى أن التنسيق الفعال هو السبيل الوحيد لضمان استقرار المنطقة وحمايتها من التقلبات السياسية.
وزير الخارجية الجزائري يزور تونس لتعزيز العلاقات الثنائية
بدعوة من الرئيس التونسي قيس سعيد، أجرى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف زيارة رسمية إلى تونس يومي 9 و10 أبريل/نيسان الماضي، حيث تناولت الزيارة تعزيز أواصر الأخوة والعلاقات المتينة بين البلدين.
شملت اللقاءات، التي عُقدت بحضور وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي، مناقشة مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك تنمية المناطق الحدودية، وتعزيز التبادل التجاري، والتعاون في التصدي للتهريب والهجرة غير النظامية. وعبّر الرئيس سعيد عن حرصه على تطوير شراكة استراتيجية بين الجزائر وتونس لمواجهة التحديات المشتركة.
وأكد الوزير عطاف خلال الجلسة أن الجزائر وتونس تواجهان تحديات مماثلة، مما يتطلب تعزيز التنسيق والتشاور بينهما لمستقبل أفضل للشعبين.
قال الرئيس قيس سعيد: “نحن على ثقة بأن التعاون بين الجزائر وتونس سيكون له تأثيرات إيجابية على الاستقرار والتنمية في المنطقة، ونسعى إلى بناء شراكة قوية ترتكز على القيم المشتركة.”
وأضاف الوزير أحمد عطاف: “نحن ملتزمون بالعمل معاً لتحقيق تطلعات شعبينا ونتطلع إلى تعزيز تعاوننا في جميع المجالات.”
قلق متزايد في تونس والجزائر بشأن الأوضاع في الجنوب الإفريقي
أعرب الوزير التونسي الأسبق أحمد ونيّس عن قلقه المتزايد بشأن الأوضاع الأمنية على الشريط الحدودي الجنوبي الذي يربط الجزائر بدول الساحل الإفريقي، مشيراً إلى تأثير تلك الأوضاع على المنطقة بأسرها.
في سياق حديثه حول الزيارة الأخيرة، أكد ونيّس أن “الشريط الحدودي الجنوبي يمثل مصدر قلق دائم للجزائر، وهو أمر يهم تونس أيضًا، حتى وإن لم تكن لها حدود مباشرة مع تلك الدول”. وأضاف أن التطورات الأخيرة في دول مثل مالي والنيجر وتشاد قد تتسبب في زعزعة الاستقرار في كل من تونس والجزائر.
وفي حديثه عن التوترات المستمرة، أشار ونيّس إلى أن “هذا الشريط الحدودي اليوم في خطر، والأنظمة العسكرية الجديدة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو تتخذ مواقف عدائية تجاه الجزائر وليبيا، ما يزيد من تعقيد الوضع في الجنوب”.
واعتبر ونيّس هذه التهديدات جزءًا من مواجهة مزدوجة، حيث أوضح أن “ليس غريبا أن هناك أخطار جنوبية في هذا الجانب وهذه واجهة أولى من المخاطر”.
إضافةً إلى ذلك، تناول ونيّس الواجهة الثانية للمخاطر، والتي تتمثل في “الضربات العسكرية المحتملة (الأمريكية والإسرائيلية) على إيران بسبب قضية فلسطين، التي قد تبدأ من اليمن وقد تطال دولًا داعمة للمقاومة مثل الجزائر وتونس”. وذلك ما يستدعي، حسب قوله، “استعدادات وتحسبات خاصة”.
العلاقات التونسية المغربية تحت مجهر التوترات الدبلوماسية
أكد ونيّس أن العلاقات بين تونس والمغرب ليست طبيعية، مشيراً إلى تبعات قطع العلاقات الدبلوماسية. أوضح ونيّس أن العلاقات بين تونس والمغرب تشهد توتراً مستمراً بعد سحب السفراء من البلدين منذ عدة أشهر دون أي مؤشر على العودة. وأكد أن الجزائر لا تزال غير مستعدة لفتح أي حوار مع المغرب لأسباب متعددة، مشيراً إلى أن هذه المواقف تعود إلى فترة وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة، الذي أعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس 2021، حيث اتهم المغرب بإجراء “أعمال عدائية”.
وأضاف ونيّس أن الجزائر تسعى حالياً إلى بناء تحالف ثلاثي مع كل من تونس وليبيا كبديل لمشروع المغرب الكبير الذي يضم خمس دول: الجزائر، تونس، ليبيا، المغرب وموريتانيا. ومع ذلك، شدد على أن تونس لن تكون جزءاً من أي مشروع بديل، حيث يعتبر أن الضمان الأمني لتونس يكمن في التنسيق مع المغرب والاعتماد الاستراتيجي عليها.
تجدر الإشارة إلى أن اتحاد المغرب العربي تأسس في 17 فبراير 1989 بمدينة مراكش المغربية، كجهد للوحدة بين الدول المغاربية، إلا أن الاتحاد واجه العديد من التحديات التي حالت دون تفعيل هياكله وتحقيق التكامل المغاربي.
“تونس تؤكد على أهمية التنسيق مع المغرب الذي يعد بمثابة الضمان الأمني في المنطقة، بينما تسعى الجزائر لمشاريع بديلة تتجاهل هذا البعد التاريخي والإستراتيجي,” قال ونيّس.
تعيين العلاقات بين تونس المغرب بأبعاد جديدة في زمن التوترات، يتطلب بالتأكيد جهوداً نوعية لإعادة الدفء إلى العلاقات المتوترة واستعادة الحوار البناء بين الأطراف المعنية.
.
مشروع أنبوب الغاز الجزائرية: رؤية استراتيجية لمستقبل الطاقة الأوروبية
أعلنت الجزائر عن تقدم ملحوظ في مشروع أنبوب الغاز الذي يمتد نحو أوروبا، حيث يتطلب الأمر مشاورات مهمة مع تونس للمضي قدمًا في تنفيذ هذا المشروع الطموح.
تعتبر الجزائر اليوم من أبرز اللاعبين في سوق الطاقة، وتأمل في استغلال مواردها الغنية من الغاز الطبيعي لتعزيز صادراتها إلى أوروبا عبر مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء. وفي هذا الإطار، أشار خبير الطاقة بن حديد إلى أنه يوجد خياران للخط: إما أن يمر عبر الجزائر أو عبر دول الشاطئ الإفريقي التي تشمل توغو وسيراليون والسنغال وموريتانيا وعبر إقليم الصحراء. ومع ذلك، اعتبر بن حديد أن فرص نجاح المرور عبر دول الشاطئ قليلة.
وأوضح أن “الخط الذي يربط نيجيريا بالجزائر مرورًا بالنيجر ثم إلى تونس، هو الأكثر أمانًا واستقرارًا”، مبرزًا التحديات السياسية التي قد تواجه المشروع، بما في ذلك احتمال رفض جبهة البوليساريو مرور الأنبوب عبر إقليم الصحراء، مما يشكل عقبة أمام هذا الخيار.
وكانت الجزائر ونيجيريا والنيجر قد وقعت في فبراير الماضي ثلاث اتفاقيات تهدف إلى تسريع تنفيذ المشروع، والتي تتضمن دراسة الجدوى، والتعويضات المالية، بالإضافة إلى اتفاقية عدم الإفصاح عن البيانات السرية المرتبطة بالمشروع.
تجدر الإشارة إلى أن الشركة الجزائرية للمحروقات سوناطراك وقعت أول مذكرة تفاهم مع شركة النفط الحكومية النيجيرية في عام 2002، لدعم تنفيذ مشروع مد أنبوب الغاز من حقول الغاز جنوب نيجيريا مرورًا بالنيجر وصولًا إلى الجزائر. وقد قدّرت التكلفة الأولية للمشروع عند توقيع مذكرة التفاهم بـ 13 مليار دولار، مع قدرة على نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا.