مقالات وآراء

يوسف عبداللطيف يكتب: لا قوة تعلو قوة الله ولا حب يفوق حبه

حين تصطدم الأرواح بوجعها العميق، وتتعثر في دروبٍ امتلأت بالخسارات، ويصبح الصبر عملة نادرة، لا يبقى لي سند ولا ملاذ إلا الله، ولا تحتاج إلى إثبات أو برهان لا يوجد أقوى من الله.

وحده القوي القادر الذي لا تغلبه الأقدار، ولا تعجزه الكروب، ولا تحده قوانين الضعف البشري .. ففي كل لحظة من لحظات انكساري، يزداد عشقي لذات الله، لا رهبة فقط بل طمأنينة، لا خوفًا بل يقينًا.

إن كل ما حولي يتغير، يتراجع، يتبدل، يخذل، إلا هو .. الله، بكل هيبته، بكل رحمته، بكل عظمته، هو وحده من يجعلني أقف حين تنهار الدنيا، ويمنحني نورًا حين ينطفئ كل شيء.

في عالمٍ غارق في الضعف، تتجلى قوة الله كالمطر وسط صحراء يابسة .. نحن نتوهم القوة في أنفسنا، في الآخرين، في القوانين، في الأنظمة، في الأرقام، في الخطط، ولكن الحقيقة تظهر لحظة الانهيار لا أحد يملك لك نفعًا أو ضرًا إلا الله.

لا توجد قوة مطلقة سوى قوت الله، ولا يد تمتد بالرحمة وقت الضيق سواه .. إنك حين تقول “يا رب” تُحدث زلزالًا في السماء، يسبقك صوت حاجتك إلى أذنٍ لا ترد، إلى ربٍ لا يُمهل قلبك دون إجابة.

من يجرب قرب الله، لا يعود للارتماء في أحضان أحد .. من ذاق لذة الاعتماد على الله، يعلم أن الركون إلى البشر ضعف، وأن تعليق القلب بغيره استنزاف.

نعم، البشر قد يساعدونك، قد يواسونك، لكن لا أحد منهم يملك القرار، ولا أحد يستطيع أن يمنحك ما لم يأذن به الله .. ومن هنا ينبع العشق، العشق الحقيقي، العميق، الصامت، الصادق لله وحده.

القوة في معناها الأعظم ليست في السيطرة، ولا في الجبروت، بل في أن تتوكل على الله وأنت في قاع الألم، فتنهض.

أن تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنت وسط نار الابتلاء، فتُطفأ .. أن تُغلق في وجهك الأبواب كلها، ثم ترفع عينيك إلى السماء بثقة لا تهتز، فيُفتح لك منها ما لم يخطر على بالك .. هذه ليست خرافة، ولا أمنيات، بل وقائع تتكرر في حياتي وفي حياة من آمن، وأحب، وأسلم أمره إلي الله.

لا يوجد أقوى من الله، لأن الله لا يُقهر، ولا يُخطئ، ولا يخذل .. لا يخضع لزمن، ولا يحده مكان، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

البشر يعِدون ويكذبون، يَظهرون ويختفون، يَضحكون ويخونون، لكن الله إذا وعد وفى، وإذا أعطى أدهش، وإذا منع فإنما ليعطي أعظم.

ليست الحياة سهلة، ولا الابتلاء بسيط، لكن الطمأنينة العظيمة التي تملأ القلب حين تتيقن أن الله يراك، ويسمعك، ويعلم، هي أعظم هبة يمكن لإنسان أن يملكها.

حين تشكو له، لا تحتاج إلى تبرير، ولا شرح، ولا دفاع عن نفسك. فقط أن تكون صادقًا، وأن تقول من أعماق قلبك: يا رب، أنا عبدك، ولا حول لي ولا قوة إلا بك.

أكتب عن الله، وأنا ممتلئ بشعور لا يمكن وصفه، شعور المحبة الخالصة، لا لطمع في عطية، بل لأنني أدركت أن لا أمان، ولا معنى، ولا سكينة، ولا نور، إلا في حماه.

فالحياة كلها، برغم ما فيها من قسوة، تصبح أجمل إذا كنت قريبًا من الله .. وحين تكون قريبًا منه، كل شيء يتغير الخوف يتحول إلى رجاء، الحزن إلى قوة، والسقوط إلى درس يقودك إلى الرفعة.

تجربتي مع الله ليست نظرية، ولا موروثًا، بل حياة .. كل لحظة ضيق مرت بي، وجدت فيها يده ترفعني .. كل انكسار عشته، شعرت فيه بلمسة لطفه .. وكل مرة خذلني فيها الناس، رأيت فيها صدق وعده.

ولذلك، لا أبالغ إن قلت إنني أعشق الله، لا فقط إيمانًا، بل وارتواءً، وارتباطًا، وانتماءً .. الله هو عشقي في زمن كثرت فيه الخيبات، وسندي في زمن سقطت فيه الأقنعة.

وإذا جاءك يوم شعرت فيه أنك وحدك، وأن كل شيء انقلب عليك، وأن الصدر لا يسع الألم، فلا تبحث بعيدًا .. فقط اغلق بابك، واخفض رأسك، وقل من قلبك ما قاله نبي الله يعقوب عليه السلام حين بلغ الحزن منتهاه

“إنما أشكو بثي وحزني إلى الله

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى