
بعد ستة وعشرين عامًا على اعتلائه العرش عام 1999، يظل الملك محمد السادس شخصية غامضة في علاقته بالسلطة، لكن حالته الصحية المتراجعة تثير جدلاً متزايدًا داخل المغرب وخارجه، في وقت تتنامى فيه التوقعات بشأن مرحلة ما بعده وصعود ولي العهد الأمير مولاي الحسن.
خلال عيد الأضحى الماضي، ظهر العاهل المغربي البالغ 62 عامًا في مسجد تطوان بملامح مرهقة وعاجزًا عن السجود مثل المصلين، ما غذّى المخاوف بشأن وضعه الصحي.
غير أن صورًا لاحقة له وهو يقود دراجة مائية (جيت سكي) قبالة سواحل الشمال بدت محاولة لنفي تلك الشائعات وإظهار أن الملك ما زال قادرًا على ممارسة حياته بشكل طبيعي.
المتابعون يرون أن هذا التباين يعكس مرحلة انتقالية دقيقة يعيشها المغرب: ملك يظهر بين فترات بروز وغياب، بينما يُمهَّد تدريجيًا لابنه ولي العهد الأمير مولاي الحسن (22 عامًا)، الذي بدأ يمثل والده في مناسبات دبلوماسية كبرى، بينها استقباله الرئيس الصيني شي جين بينغ أواخر 2024.
وقد مُنح أخيرًا رتبة “كولونيل ماجور” في الجيش الملكي، تمهيدًا لدور أكبر داخل المؤسسة العسكرية.
ورغم ذلك، تحرص المؤسسة الملكية على ضبط إيقاع هذه المرحلة بدقة، دون إرسال إشارات مباشرة لانتقال وشيك للسلطة، في وقت يواجه فيه المغرب تحديات اجتماعية واقتصادية معقدة مثل البطالة وتداعيات الجفاف.
إلى جانب الجدل حول صحة الملك، أثارت علاقاته المقربة مع الأخوين المغربيين الألمانيين أبو بكر وعثمان أزعيتر، بطلي فنون القتال، انتقادات داخلية واسعة بسبب نفوذهم الكبير داخل القصر الملكي وتدخلهم أحيانًا في دوائر القرار، وفق تقارير غربية.
ورغم محاولات لإبعادهم تدريجيًا عن المشهد، إلا أن القضية سلّطت الضوء على هشاشة بعض مراكز النفوذ المحيطة بالملك.
وتشهد النخبة المغربية بدورها صراعات مكتومة مع اقتراب مرحلة الخلافة. فقد تعرض رئيس مكتب الفوسفات العملاق (OCP) مصطفى التراب، المقرّب من ولي العهد، لهجوم إعلامي غير مسبوق من مقربين من القصر، اعتُبر إشارة مبكرة إلى صراع نفوذ داخل النخبة السياسية والاقتصادية.
كما زادت حدة التوتر بعد سلسلة هجمات إلكترونية كشفت بيانات حساسة لمسؤولين كبار في الدولة.
ورغم اتساع الهوة الاجتماعية وتفاقم نفوذ الأوليغارشية الاقتصادية، يحتفظ محمد السادس بشعبية ملحوظة داخل الشارع المغربي، إذ يُنظر إليه كرمز وطني فوق الصراعات السياسية، بينما يتجه الغضب الشعبي نحو رئيس الحكومة الملياردير عزيز أخنوش.
لكن مع تزايد الحديث عن “نهاية عهد” محمد السادس، تبدو البلاد مقبلة على إعادة تشكيل داخلية حساسة، حيث يتأرجح المشهد بين المحافظة على استقرار المؤسسة الملكية من جهة، وصعود جيل جديد بقيادة ولي العهد من جهة أخرى، في ظل رهانات كبرى كملف الصحراء الغربية وتنظيم كأس العالم 2030.