زيارة الشرع إلى باريس.. كسر العزلة وبداية التحوّل في المشهد الدولي

في مشهد بدا وكأنه يُكتب بحبر التاريخ لا بماء السياسة، وطأت قدما الرئيس السوري أحمد الشرع بلاط الإليزيه، ليعلن من قلب باريس أن سوريا قررت أن تعود إلى العالم، لا بوصفها عبئًا، بل باعتبارها شريكًا يبحث عن مكانٍ تحت الشمس.
لم تكن الزيارة بروتوكولية كما اعتادت الدول أن تتبادلها، بل جاءت مُحمّلة بأثقال عقدٍ كامل من الحرب، والعزلة، والتهميش.
في قصر الإليزيه، التقى الشرع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليس ليطلب اعترافًا، بل ليفرض واقعًا ويؤكد أن سوريا تغيّرت.. ومن يحكمها الآن لا يشبه ما مضى.
حديث السياسة، لكن بصوت التاريخ
في المؤتمر الصحفي المشترك، بدا الشرع هادئًا، لكنه كان حاسماً، طالب برفع العقوبات، من منطلق إعادة الإعمار وكرامة الإنسان السوري.
أما ماكرون، فكان يدرك أنه لا يستقبل رئيسًا عاديًا، بل صفحة جديدة من سوريا يُعاد رسمها من جديد، حيث أكد دعمه للمرحلة الانتقالية، ووعد بالسعي نحو تخفيف العقوبات تدريجيًا، مع التشديد على أهمية الاستقرار وحقوق الإنسان.
باريس: مرآة لوجه سوريا الجديد
لم يكن اختيار فرنسا عبثيًا، فباريس التي كانت من أوائل العواصم التي أغلقت بابها أمام النظام السابق، هي نفسها التي فتحت بوابتها الآن لرجل يحاول أن يصالح بلده مع العالم.
الشرع يدرك أن المعركة لم تعد في الجبهات، بل في الدبلوماسية، وفي الاقتصاد، وفي رواية من يملك الشرعية الأخلاقية والسياسية لسوريا المستقبل.
الزيارة: لحظة اختبار أم بداية مسار؟
ليس سرًا أن الغارات الإسرائيلية، وملف المهاجّرين، وملف المخدرات العابر للحدود، كلها كانت على الطاولة، لكن ما لم يُقال في العلن، كان أكثر من ذلك: هل يُمكن لسوريا أن تعود فاعلًا نزيهًا؟ وهل يقبل المجتمع الدولي بفصل حاضرها عن ماضيها القريب؟
الزيارة لم تجب على كل الأسئلة، لكنها أرخت الستار على مرحلة، وفتحت الباب لأسئلة أكبر.. هل ستتبنى أوروبا مقاربة جديدة تجاه دمشق؟ وهل يتمكن الشرع من كسب معركة الداخل والخارج معًا؟
في باريس… لم يُوقّع اتفاقٌ تاريخي، ولم تُرفع العقوبات بعد، لكن شيئًا جوهريًا قد تغيّر.. سوريا عادت تتحدث، لكن حديثها هذه المرة مختلف.. حيث بلغة القوة والدولة معاً.