مصر

أدهم حسانين يكتب: انبطاح الأنظمة: هل تشعل الشعوب الأرض مقاومة

في زمن تتهاوى فيه آمال الوحدة العربية، يقف الشعب العربي أمام جدار من الصمت والخنوع. الأنظمة العربية، وعلى رأسها مصر والأردن، تُحكم قبضتها على إرادة شعوبها، موجهةً غضبها نحو الاستسلام بدلاً من المقاومة.
في القاهرة، التي كانت يومًا منارة النضال، تُقمع الاحتجاجات الداعمة لغزة المحاصرة منذ عقدين.

في عمان، تُعتقل كوادر أردنية بتهمة دعم المقاومة، وتُحلّ جماعة الإخوان المسلمين .
فيما تُلاحق قيادات حماس وسرايا القدس في الأردن وسوريا.

غزة، تحت حصار خانق، تصرخ بصمت، بينما الضفة الغربية تُكبلها سلطة التنسيق الأمني مع إسرائيل.

التطبيع، الذي أصبح شوكة في ظهر القضية الفلسطينية، يُعزز من هيمنة الاحتلال، بينما تُغلق الأبواب أمام أي تحرك شعبي.
لكن، وسط هذا “الانبطاح” الرسمي، هل لا تزال شرارة المقاومة متقدة في قلوب الشعوب؟
هل يمكن أن تنفجر هذه الشعوب، رافعة لواء المقاومة كقيمة استراتيجية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وأذنابه؟
دعونا نغوص في أعماق الأزمة العربية، مستكشفًين تناقضات الأنظمة، ومستكشفًين جذور الغضب الشعبي، ومتسائلين: هل حان وقت انتفاضة شعبية تُعيد تعريف النضال العربي؟

  1. الأنظمة العربية: من قيادة النضال إلى التطبيع .
    بدأت مرحلة جديدة منذ توقيع مصر لمعاهدة كامب ديفيد عام 1979، والأردن لمعاهدة وادي عربة عام 1994، أعادت تشكيل العلاقات العربية-الإسرائيلية. مصر التي قادت حرب أكتوبر 1973، تحولت إلى وسيط دبلوماسي، بينما الأردن، التي خاضت معارك 1948 و1967، تبنت خطاب السلام. هذه التحولات لم تكن مجرد قرارات سياسية، بل أثرت على ديناميكيات الشعوب والقضية الفلسطينية.

يحافظ النظام العسكري الحالي في مصر، بقيادة عبد الفتاح السيسي على توازن دقيق: دعم رمزي للقضية الفلسطينية عبر بيانات دبلوماسية ووساطات في هدن غزة، مع الالتزام بمعاهدة السلام. حيث ذكر تقرير “عربي21” (2023) أشار إلى أن مصر، رغم رفضها تهجير الفلسطينيين من غزة، لم تتخذ خطوات تصعيدية مثل تعليق التعاون الاقتصادي مع إسرائيل او فتح المعبر امام المساعدات الإنسانية.
وفي يناير 2025، رفض السيسي اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء بمقابل مالى واغراءات اقتصادية مؤكدًا أن ذلك “ظلم”، لكن هذا الموقف لم يترجم إلى فعل حقيقي و تغيير جوهري في سياسة الحصار على غزة بل وصرح أن الاحتلال يمكنه نقل الغزيين إلى صحراء النقب حتى انتهاء مهمته من تصفية المقاومة الفلسطينية وهذا فى المؤتمر الصحفي مع المستشار الألماني شولتز.

تواجه الأردن تناقضًا مشابهًا. رغم موقفها الرسمي الرافض للعدوان على غزة، فإن معاهدة وادي عربة تظل إطارًا ملزمًا. في نوفمبر 2023، استدعت الأردن سفيرها من إسرائيل احتجاجًا على الحرب، لكن هذا لم يُتبع بتغييرات في العلاقات الاقتصادية أو الأمنية. تصريح وزير الخارجية أيمن الصفدي بأن المعاهدة “قد تصبح وثيقة مغبرة” كان رمزيًا دون فعل ملموس ، وقد قامت الأردن باعتراض صواريخ دول الإسناد المتجهة إلى مدن الاحتلال

في 15 أبريل 2025 أعلنت السلطات الأردنية اعتقال 16 عضوًا من جماعة الإخوان المسلمين بتهمة تصنيع صواريخ وطائرات مسيرة لدعم المقاومة، مدعومين بتدريبات من حماس في لبنان. في 23 أبريل 2025، أعلن وزير الداخلية مازن فراية حل الإخوان المسلمين رسميًا، مصادرة أصولها، متهمًا الجماعة بـ”زعزعة الأمن”. هذه الخطوة أثارت جدلًا، حيث دافعت حماس عن المعتقلين، مؤكدة أن دوافعهم كانت “دعم فلسطين والدفاع عن القدس”. بوستات على X عكست غضبًا شعبيًا، حيث زعم البعض أن الاعتقالات تمت بالتنسيق مع إسرائيل، لكن هذه الادعاءات تظل غير مؤكدة ، ولكن هذه الإجراءات تمت بعد مقابلة رأس الدولة الأردنية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
امتد التطبيع إلى دول أخرى مثل الإمارات والبحرين عبر اتفاقيات إبراهيم 2020، مما قلل الضغط الدبلوماسي على إسرائيل وأضعف موقف الفلسطينيين إقليميًا .

  1. غزة والضفة: جرحان في قلب المقاومة .
    فرض حصار منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، حصارًا شاملاً على القطاع، بدعم لوجستي من مصر عبر معبر رفح. الحصار، المستمر منذ حوالي 20 عامًا، حول غزة إلى “سجن مفتوح” يعاني فيه 2.5 مليون نسمة من نقص الغذاء، الكهرباء، والدواء. تقرير الأمم المتحدة (2023) يشير إلى أن 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية، بينما دمرت الحروب المتكررة (2008، 2012، 2014، 2021، 2023-2024) البنية التحتية .

أثارت سياسة مصر جدلًا. إغلاق معبر رفح لفترات طويلة، خصوصًا خلال حرب 2023-2024، زاد من معاناة السكان.
في أكتوبر 2023 عبرت تغريدات عبر منصة إكس عن غضب عربي من “تواطؤ” مصر في الحصار، رغم تأكيد الحكومة أنها تعمل على إيصال المساعدات. في مارس 2024، دعمت مصر خطة إعادة إعمار غزة بـ53 مليار دولار بحلول 2030، لكن هذا الموقف لم يُخفف من انتقادات الشارع العربي .
يُفاقم التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل فى الضفة الغربية الأزمة. تقرير “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” (2024) يشير إلى أن التنسيق يشمل اعتقال نشطاء المقاومة وتبادل المعلومات، مما يُضعف الحركات المسلحة. عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل تجاوز 9700 بحلول 2024، بينهم 75 امرأة و250 طفلًا. هذا الوضع أثار غضبًا شعبيًا، حيث يرى الكثيرون أن السلطة أصبحت “حارسة” للاحتلال وما اقتحام مخيم جنين ومدن الضفة من قبل قوات أمن السلطة وتتبع المقاومين فى مخيمات نور شمس وبلاطة وطولكرم منا ببعيد وما هى الا محاولة من تصفية المقاومة الفلسطينية فى الضفة

  1. ملاحقة المقاومة: من الأردن إلى سوريا .
    لم تكتف الأردن باعتقال كوادر الإخوان المسلمين، بل استهدفت قيادات حماس. في أبريل 2025، أفادت تقارير عن اعتقال ثلاثة من كوادر حماس في عمان، بعد مداهمة منازلهم ونقلهم إلى سجن المخابرات في الجندويل. السلطات زعمت أن المعتقلين كانوا يخططون لعمليات “تخريبية”، بينما أكد محامي المعتقلين أن موكليه تعرضوا للتعذيب في بوست على منصة إكس وأُجبروا على التوقيع على أوراق بيضاء، مشيرًا إلى أن هدفهم كان تهريب أسلحة لدعم المقاومة في الضفة.

وفي سوريا، استهدفت السلطات قيادات في سرايا القدس، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي.
في أبريل 2025، أعلنت سرايا القدس اعتقال خالد خالد، رئيس عمليات الجهاد في سوريا، وياسر الظفاري، رئيس اللجنة التنظيمية، من قبل الأمن السوري. السلطات السورية لم توضح الأسباب، لكن المراقبون يربطون هذه الخطوة بمحاولات دمشق لتثبيت استقرارها بعد اتفاقات مع القوات الكردية وتفكيك ميليشيات محلية .
هذه الاعتقالات تُظهر نمطًا إقليميًا لقمع المقاومة. في الأردن، ترى الحكومة أن دعم حماس يهدد استقرارها، خاصة مع الدعم الإيراني المزعوم. وفي سوريا، تسعى الحكومة لتأمين سيطرتها، مما يجعل أي نشاط مسلح خارج سيطرتها خطرًا. بوست على إكس وصف هذه التحركات بأنها “فصل جديد من التضييق على المقاومة في الأردن وسوريا”.

  1. الشعوب العربية: بين القمع والغليان .
    ورغم سياسات الأنظمة، تظل الشعوب العربية نابضة بالتضامن مع القضية الفلسطينية. في مصر، شهدت السنوات الأخيرة مظاهرات متقطعة، خصوصًا بعد “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023. لكن هذه الاحتجاجات قُمعت بسرعة، حيث اعتقلت السلطات عشرات المتظاهرين في القاهرة والإسكندرية توجد الان قضايا للمعتقلين بتهمة دعم فلسطين.
    اما الأردن، بفضل التركيبة الديموغرافية (حوالي 50% من أصول فلسطينية)، شهدت عمان مظاهرات حاشدة ضد العدوان على غزة. في مارس 2024، حاصرت الشرطة مظاهرات قرب السفارة الإسرائيلية، واعتقلت مئات النشطاء. حل الإخوان المسلمين واعتقال كوادر حماس أثارا موجة غضب على منصة إكس حيث علق احد المستخدمين
    “متى سيفهم الإخوان أن المواقف الضعيفة تغري الحكام” ” نظمت مظاهرات ضد التطبيع فى المغرب وتأييدا للمقاومة ، بينما في لبنان واليمن والعراق ، دعمت المقاومة عبر هجمات منسقة مع المقاومة فى فلسطين وغزة وسميت بدول الإسناد . لكن القمع المنظم والاستقرار النسبي للأنظمة يُعيقان تحول هذا الغضب إلى ثورة شاملة.
  2. إمكانية الانفجار الشعبي: فرص وتحديات.
    وهنا يظهر جليا السؤال الملح : هل يمكن أن تنفجر الشعوب العربية لدعم المقاومة؟ هناك عوامل تدعم هذا السيناريو، وأخرى تعيقه:
    العوامل المؤيدة:
  • الوعي الشعبي: عزز”طوفان الأقصى” عزز الوعي بالقضية الفلسطينية، وامامنا الأمثلة كثيرة مثل حركة الطلاب بالجامعات الأوروبية والامريكية والمسيرات الاحتجاجية ضد العدوان ومواقف من اصحاب القرار الاوروبي والأمريكي واعتراف بعض الدول بالدولة الفلسطينية.
  • الأزمات الاقتصادية: تفاقم التضخم والبطالة في مصر والأردن عزز تفاقم الاستياء، مما قد يُحوّل الغضب إلى تحركات سياسية وغضبات شعبية.
  • صمود المقاومة: ألهم نجاح حماس في 7 أكتوبر 2023 الشباب العربي، مع تقارير تشير إلى زيادة شعبيتها في دول الربيع العربي والعالم كله عبر المواقف الإنسانية التى نقلها الإعلام إلى العالم مثل الجد خالد نبهان أو روح الروح وكلمات الإعلامي وائل الدحدوح فى تعليقه على استهداف عائلته لمجرد انه إعلامي ينقل الحقيقة .

  • القمع الأمني: تمتلك الأجهزة الأمنية في مصر والأردن قدرات عنيفة لإجهاض التحركات وما عمق مظاهرات الأردن ببعيد ورابعة والنهضة وما تبعها فى مصر والقبضة الأمنية طوال العقد الماضي عنا ببعيد .
  • التشرذم الإقليمي: الانقسامات بين الدول العربية تُضعف التنسيق الشعبي وتقديم المصالح الشخصية على مصلحة الشعب الفلسطيني وتحرير أرضه.
  • التطبيع: اتفاقيات 2020 المؤيدة للتطبيع فى الإمارات والبحرين قللت الضغط على إسرائيل، مما يُصعّب فرض تغيير شعبى فى هذه الدول المحكومة باليد والنار .

تحت وطأة التطبيع وقمع الأنظمة، تظل الشعوب العربية الأمل الأخير لإحياء المقاومة. مصر والأردن، بتاريخهما النضالي، قادران على قيادة هذا التحول، لكن اعتقال كوادر المقاومة وحل الإخوان في الأردن يُبرهنان على قوة القمع. غزة المحاصرة والضفة المكبلة نداء للشعوب للانتفاض. الوعي الشعبي موجود، لكن التحدي يكمن في تحويل الغضب إلى فعل منظم.
المقاومة، كقيمة استراتيجية، تتطلب إعادة تعريف عبر المقاطعة والضغط الشعبي. هل ستكتب الشعوب فصلًا جديدًا في النضال العربي؟ التاريخ ينتظر إجابة الشعوب وفى القلب منهم الشباب الذين يحملون مفتاح تغيير موازين القوى في وجه الاحتلال والتطبيع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى