
في الوقت الذي يبحث فيه آلاف المواطنين عن فرص آمنة لاستثمار مدخراتهم، يخرج علينا بين الحين والآخر مشروع جديد يَعِدُ بعوائد خيالية، وأرباح شهرية ثابتة، تُقدَّم في عبوة مغرية تحمل شعار “الزراعة هي المستقبل”. لكن في كثير من الأحيان، تتحول تلك الأحلام إلى كوابيس، وتتبخر الآمال مع أول عثرة، خاصة عندما تكون الحكاية من نوعية “توظيف الأموال” المُقَنَّعة.
افرولاند.. الحلم الزراعي الذي تحول إلى كابوس مالي
أحدث هذه الوقائع تتعلق بشركة تُعرف باسم “افرولاند”، أو كما يسويها الضحايا “مستريح الزراعة”. قدمت الشركة نفسها في الإعلام ومنصات التواصل باعتبارها رائدة في الاستثمار الزراعي، ونجحت في استقطاب المئات عبر إعلانات مبهرة ومقاطع فيديو مليئة بالوعود، يديرها شخص يُشار إليه إعلاميًا بالحروف (ع.ز)، معروف في مجال التسويق الزراعي.
العرض كان بسيطًا: ادفع 100 ألف جنيه، واحصل على قطعة أرض مزروعة، بأرباح شهرية تبدأ من 3 آلاف جنيه، بعقود تمتد لـ 3 سنوات، تشمل زراعات مثل الكنتالوب والنخيل والطماطم. لكن الحقيقة المرة ظهرت سريعًا: لا أراضي تم تسليمها، ولا عقود موثقة، فقط أوراق تحمل وعودًا غير مُلزمة، وصورًا على مواقع التواصل!
أوراق بلا أرض، وأرباح بلا عائد
مع مرور الوقت، تكشفت الحقيقة. العقود لم تكن تذكر موقعًا جغرافيًا واضحًا، ولم يكن للمشترك أي سلطة فعلية على “أرضه” المفترضة، التي كانت تظل في حيازة الشركة. وكلما طالب المستثمرون بمستحقاتهم، جاءت الردود بالتسويف، أو بطلب دفعات إضافية بحجة “تكاليف المراحل المقبلة”، حتى اختفى عدد من المسؤولين وتوقفت الاتصالات.
توظيف الأموال.. لعبة قديمة بأقنعة جديدة
ما حدث مع “افرولاند” ليس استثناءً، بل يندرج تحت ما يعرف بـ”توظيف الأموال”، وهي ممارسة غير قانونية يقوم بها أفراد أو كيانات بجمع أموال من المواطنين بدعوى استثمارها في نشاط معين (زراعي، صناعي، عقاري) مع وعد بعائد ثابت أو مرتفع، دون أن يكون هناك نشاط فعلي، أو بوجود نشاط شكلي لتغطية عملية الاحتيال.
في الثمانينيات والتسعينيات، شهدت مصر موجة من قضايا توظيف الأموال، أبرزها شركات “ن” و”س” و”ى”، التي جمع أصحابها مليارات الجنيهات من المواطنين قبل أن تنهار وتُثبت التحقيقات أنها عمليات نصب واسعة النطاق. ورغم القوانين التي تم وضعها لاحقًا، إلا أن الأساليب تتجدد، والضحايا يتكررون.
تكرار النمط.. نفس الأسلوب بتفاصيل مختلفة
لم تكن “افرولاند” الأولى، فهناك شركات مماثلة ظهرت خلال السنوات الأخيرة، مثل:
شركة “ال. خ”: وعدت باستصلاح أراضي في الصعيد وتقديم عوائد سنوية مرتفعة، لكنها فشلت في تنفيذ وعودها، وتورطت في قضايا احتيال.
مشروع “و. ال”: جمع أموالًا مقابل حصص في مزارع تمور، تبين لاحقًا أنها غير مملوكة للمشروع من الأساس.
“س. ل. ال”: واجهت اتهامات بجمع أموال دون ترخيص، وبيع وهم الاستثمار الزراعي لآلاف المواطنين.
وفي كل مرة، تتشابه التفاصيل: وعود مغرية، ترويج عبر السوشيال ميديا، عقود غير موثقة، وغياب الرقابة الفعلية، حتى تنهار القصة، ويبدأ الضحايا في طرق أبواب النيابة والمحاكم.
مطالبات بالتحرك.. والعدالة في الانتظار
اليوم، يطالب ضحايا “افرولاند” الدولة بالتدخل السريع، لوقف نشاط الشركة وتتبع المسؤولين، وإعادة الأموال المنهوبة. فيما تحذر منظمات حقوقية وخبراء من استمرار غياب الرقابة على هذه الأنشطة، داعين الجهات المعنية لتشديد الضوابط، والتأكد من التراخيص، والتوعية المجتمعية بمخاطر الاستثمار في مشروعات غير واضحة المعالم.
الربح السريع.. طريق محفوف بالمخاطر
الخلاصة أن الثراء السريع يظل حلمًا محفوفًا بالفخاخ، خاصة حين يكون مدفوعًا بعاطفة الأمل لا بعقلية الحساب والتحقق. وما لم يكن للمستثمر وعي قانوني وفني واضح، وتدقيق في الترخيصات والعقود، ستظل القصص تتكرر، والضحايا يتساقطون في فخاخ من يوظفون أموالهم في السراب، لا في الأرض.