شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : ورقة دامية من مذكّراتي.. أيمن نُحر في الزنزانة ولم ينتحر

لا يكفي أن تظلم وتصمت كي تنجو… في مصر، قد يقتالونك فقط تحسّبًا أن تتكلم!
ما تكشفه هذه الورقة، بالأسماء والتواريخ والتفاصيل، هو الأخطر من الظلم ذاته…
حين تتحوّل المشنقة من أداة للعدالة، إلى وسيلةٍ لإخفاء الحقيقة،
ويصير القاتل هو كاتب المحضر…
والمقتول هو المتهم…
والقضية ملف محفوظ تحت علبة السجائر!
لم أكن أعرف أيمن إسماعيل الرفاعي قبل القضية الملفقة الشهيرة، المسماة زورًا بقضية توكيلات حزب الغد، تلك المسرحية التي رُتّبت على عجل، بليلٍ مظلم، لمنعي من الترشّح لأول انتخابات رئاسية تعددية في مصر.
بطل هذه الورقة – أيمن – يصلح لمحور فيلم من الكوميديا السوداء، على غرار أبطال فيلم “إحنا بتوع الأوتوبيس”،
لكن نهايته لم تُكتب بالكوميديا… بل بالدم.
لم يكن يعرفني، ولا سمع بالحزب، ولم أسمع باسمه حتى دوّى صوته في دهاليز العدالة المريضة…
ثم خفت.
لا لأنه تعب من البوح، بل لأن أحدهم قرر أن يُخرسه… إلى الأبد.
أيمن… شاب مصري، 37 عامًا، تاجر خردة من حدائق شبرا، شارع جامع أبو الفضل، قسم الساحل.
لا انتماء سياسي له، لا صلة له بالحزب، لا حلم له بغير الخبز.
صار شاهدًا في مشهد ملفق، ثم متهمًا في ملف مغلق، ثم جثةً مشنوقة على باب زنزانة… في ممر يؤدي إلى غرفة الإعدام.
صباح الخميس 6 سبتمبر 2007… وُجد جثمانه معلقًا على باب بطول 170 سنتيمترًا، بينما طول جسده يزيد عليه!
كيف انتحر على باب أقصر منه؟
حتى المشنقة ضاقت بالحقيقة، فاختنقت معه!
في يناير 2005، زار صديقه إسماعيل زكريا عبد اللطيف، مواليد 1 مايو 1968، المحتجز بقضية 296 جنح قصر النيل، بمباحث الأموال العامة.
حمل له طعامًا، وأجرى من هاتفه اتصالًا بضابط أمن الدولة عمرو محسن، ليبلّغه بمكان احتجاز صديقه.
وكانت تلك الدقيقة بداية النهاية.
في 17 فبراير 2005، اقتيد أيمن من منزله، وأُجبر على الاعتراف بتزوير توكيلات الحزب، بخط يده، وبعلمي.
أنكر، وقال إنه لا يجيد الكتابة… فعُذّب.
ثم جاء الأفظع:
جُلبت الطفلتان نسمة وندى – بنتا شقيقته – إلى الغرفة المجاورة، وسمع صراخهما…
بكى، ووقّع ما طلبوا… لينقذهن.
في المحكمة حاول تصحيح أقواله… فرفض القاضي الاستماع.
لم تُسجل أقواله، ولم تُثبّت أقسى لحظة في حياته.
في 20 أغسطس 2007، كتب لي يستغيث.
وصلني خطابه يوم 21.
حرّرت طلبًا للمستشار هشام بدوي، وقدّمتُه لإدارة السجن في 1 سبتمبر.
بعد يومين، جاءني خطاب جديد منه: الضغوط تتصاعد، الضباط يهددونه.
عرضوا عليه النجاة مقابل الصمت.
رفض.
كتب أن الضابط عادل ياسين مخيمر هدده، وأبلغه أنهم ألقوا القبض على بنتي شقيقته.
صباح 6 سبتمبر… جاءتني زوجتي خلال زيارتها لي بسجن طره، وقالت بصوت مكسور:
أيمن إسماعيل… مات مشنوقًا.
الرواية الرسمية؟ انتحر.
التقرير؟ من د. وجدي عبد العال.
لكنني كنت قد التقيته قبلها… يوم 6 مارس 2007، دخل زنزانتي دون سبب، عرّف نفسه كطبيب نفسي.
سألته: ما الذي أتى بك؟
قال: لا أعلم…
طردته… وأدركت أن السيناريو بدأ… نفس السيناريو الذي سينتهي بجثة على الباب.
بعد الوفاة، طلب اللواء عمر الفرماوي من طبيب مصلحة السجون إعداد تقرير انتحار.
رفض الطبيب.
قال إن الزرقة الرمية في الجثة ظهرت في الظهر والإلية، لا القدمين…
أي أن الجثة كانت مستلقية وقت الوفاة، لا مشنوقة.
رفض اللواء التقرير، واستدعى الطبيب أيمن خليل…
كتب تقريرًا جديدًا.
تقريرًا لا يخجل من الكذب، ولا من الدم، ولا من الله!
أما الباب؟ كان أقصر من جسده.
فكيف انتحر عليه؟
وأين ذهب صوته؟
ثلاثة سجناء كانوا معه، استيقظوا فوجدوه معلقًا… ولم يسمعوا شيئًا!
النيابة لم تحضر.
البلاغات حُفظت.
أقوالي؟ لم تُسجّل حتى الآن.
بعد 18 عامًا من موته، أكتب… لا للتاريخ فقط، بل للضمير.
لم يكن شهيد ثورة، ولا نجمًا في نشرة أخبار.
كان إنسانًا بسيطًا…
اقترب من الحقيقة… فقتلوه.
قالوا له:
“النظام لن يهتز لأجلك… اذهب للجحيم.”

فذهب!
أيمن لم ينتحر…
أيمن نُحر.

نُحر على مائدة الخوف…
وصمت النيابة…
وتقارير مأجورة…
وقضاة لم يسمعوا.
وسأكتب عنه… حتى يسمع أحد!
النهاية لا تكون بإغلاق الملف… ولو مرت عقود،

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى