مصر

بعد عشر سنوات من تكافل وكرامة ملايين يُقصون ودعم يتحول لعبء مؤلم

احتفلت الدولة بمرور عقد من الزمان على إطلاق برنامج «تكافل وكرامة» وسط عناوين تتحدث عن إنجازات واسعة وامتدادات غير مسبوقة في مظلة الحماية الاجتماعية لكن خلف الأرقام الرسمية التي تباهت بها الجهات المسؤولة ظل الواقع اليومي للمستفيدين والمحرومين على السواء يروي قصة مختلفة مليئة بالتناقضات والألم

كشفت الجهات الرسمية مضاعفة عدد الأسر التي تتلقى الدعم النقدي عبر البرنامج منذ عام 2014 حيث ارتفعت من 1.7 مليون أسرة إلى 4.7 مليون أسرة بحلول عام 2025 في ظل زيادة مخصصة للتمويل بلغت 54 مليار جنيه مقارنة بـ 5 مليارات جنيه فقط عند انطلاق البرنامج قبل عشر سنوات

أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي أن البرنامج يمثل واحدا من أوسع شبكات الأمان الاجتماعي في المنطقة العربية غير أن تقارير محلية موثوقة أثبتت وجود مخالفات مالية جسيمة تمثلت في صرف مبالغ زائدة لبعض المستفيدين دون وجه حق نتيجة تلاعب بعض الموظفين الذين قاموا بإدراج تلك المبالغ لأنفسهم عبر القسم المختص بدعم شبكات الأمان الاجتماعي

استعرض نواب في البرلمان حجم المعاناة التي يتعرض لها عدد كبير من المواطنين نتيجة الحذف العشوائي من البرنامج حيث فُوجئ آلاف المستفيدين بخروجهم من القوائم رغم استمرار ظروفهم الصعبة التي أهلتهم مسبقا للحصول على الدعم مما دفعهم لإطلاق وصف وزارة العذاب الاجتماعي على وزارة التضامن

أكدت الإحصاءات الرسمية أن الميزانية المخصصة للبرنامج شهدت قفزات كبيرة على مدار عشر سنوات لكن هذه الزيادات لم تنعكس بشكل عادل على المستفيدين حيث كشف نواب عن توزيع غير منصف من قبل بعض الموظفين وهو ما نتج عنه حصول عدد كبير من غير المستحقين على الدعم مقابل حرمان آخرين أكثر حاجة

أشارت مصادر موثوقة إلى أن التباطؤ في إصدار بطاقات الخدمات المتكاملة شكل أحد أبرز أوجه القصور في تنفيذ البرنامج إذ تأخرت الوزارة في تلبية الطلبات المتزايدة من الفئات المستحقة مما ترك كثيرين يعانون دون دعم أو سند رسمي

لفتت تقارير اقتصادية متخصصة إلى أن التضخم المتزايد في السنوات الأخيرة أدى إلى تآكل فعالية الدعم النقدي المقدم من البرنامج حيث باتت القيمة الشرائية للمبالغ التي يحصل عليها المستفيدون غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية وهو ما دفع مراقبين إلى المطالبة بإعادة تقييم شاملة للبرنامج في ضوء التغيرات الاقتصادية والاجتماعية

رصدت التحقيقات الداخلية حالات عديدة تم فيها إدراج أسماء غير مستحقة ضمن قوائم المستفيدين حيث بينت البيانات الرسمية وجود تلاعب ممنهج في إدخال المعلومات ما أسهم في توجيه الموارد نحو من لا يحتاجها وحرمان المستحقين الحقيقيين منها

أوضحت مراجعات الأداء أن البرنامج ورغم توسعه الكمي لم ينجح في سد الفجوة الاجتماعية بالشكل المأمول حيث ما زالت قطاعات واسعة من المصريين تعيش تحت خط الفقر دون أن يشملها الدعم أو تنال أي اهتمام في أولويات الحماية الاجتماعية

قال مراقبون مطلعون إن عدم الشفافية في إدارة البرنامج شكل تحديا كبيرا أمام تحقيق العدالة الاجتماعية حيث لم يصدر أي تقرير تفصيلي دوري يوضح كيفية اختيار المستفيدين أو آلية حذفهم أو أسباب تأخير الخدمات ما فاقم من شعور الإقصاء والتهميش لدى المواطنين

أضاف محللون أن غياب الآليات الرقابية الفعالة فتح الباب أمام استغلال النفوذ وتضارب المصالح داخل بعض الإدارات التنفيذية مما أفقد البرنامج جزءا كبيرا من مصداقيته في عيون الناس رغم ما رُصد له من ميزانيات ضخمة

استعرضت بيانات رسمية أن قيمة التمويل تضاعفت عشر مرات في عشر سنوات لتصل إلى 54 مليار جنيه عام 2025 مقارنة بـ 5 مليارات في 2014 غير أن هذه الزيادة لم تواكب ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وهو ما أضعف الأثر الفعلي للدعم المقدم

أردف اقتصاديون أن تصميم البرنامج بحاجة إلى تعديل جذري ليواكب التغيرات المتسارعة في معدلات الفقر وسوق العمل حيث إن نمط الدعم الحالي لم يعد كافيا لمعالجة أزمات الفقر الهيكلي والبطالة المزمنة التي تعاني منها بعض المناطق الجغرافية المهمشة

نوه متابعون بأن الأرقام التي تعلنها الوزارة حول عدد المستفيدين لا تعكس واقع التوزيع الجغرافي للدعم حيث تركزت نسب الاستفادة في بعض المحافظات على حساب مناطق أكثر احتياجا وهو ما فجر موجات من الغضب في عدة قرى ومراكز

أكدت مراجعات ميدانية أن حالات عديدة تتلقى دعما ماليا محدودا لا يتجاوز 450 جنيها شهريا وهو مبلغ لا يكفي لسد احتياجات طفل واحد ناهيك عن أسرة كاملة تعاني من غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق

لفت مهتمون بالشأن الاجتماعي إلى أن تجربة تكافل وكرامة رغم بداياتها الواعدة فقدت بريقها تدريجيا تحت ضغط التحديات اليومية التي تعاني منها الأسر المصرية حيث لم تعد المساعدات النقدية كافية لتوفير حد أدنى من الحياة الكريمة

زعم مواطنون متضررون أن إدارات الشؤون الاجتماعية في بعض المناطق تطبق معايير مزدوجة عند فحص الطلبات حيث يتلقى البعض الدعم لاعتبارات شخصية بينما يتم رفض طلبات لآخرين رغم اكتمال شروط الاستحقاق لديهم ما خلق شعورا متزايدا بعدم المساواة

صرح باحثون في السياسات الاجتماعية أن أزمة تكافل وكرامة لا تكمن فقط في حجم التمويل بل في غياب الرؤية التكاملية التي تربط بين الدعم النقدي والتأهيل المهني ومشروعات التمكين الاقتصادي التي تتيح للناس الخروج من دائرة الفقر بشكل دائم

استدرك مهتمون أن البرنامج يحتاج إلى نقلة نوعية تشمل آليات المراقبة والتقييم وإعادة التوزيع حسب معايير واضحة وشفافة تضمن وصول الدعم لمستحقيه الفعليين دون وساطة أو محسوبية أو تلاعب إداري

أشار خبراء إلى ضرورة إعادة هيكلة البرنامج عبر إدخال نظم رقمية حديثة لتسجيل البيانات والتحقق من الاستحقاق ومنع التلاعب بما يضمن الكفاءة والعدالة في التوزيع ويعزز ثقة المواطنين في سياسات الحماية الاجتماعية

ختم متابعون تقييمهم بالتأكيد على أن عقدا من الزمن لم يكن كافيا لتحقيق الأهداف المعلنة للبرنامج في ظل ما كشفته الوقائع اليومية من خلل كبير في آليات التنفيذ وضعف التنسيق بين الجهات المعنية مما يستدعي مراجعة جذرية وشاملة قبل الحديث عن إنجازات جديدة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى