
نشرت صحيفة لوموند الفرنسية Le Monde، وهي من أعرق وأهم الصحف الأوروبية، اليوم الأحد 11 مايو 2025، مقالاً بالغ الأهمية بعنوان «الاستراتيجية الانفصالية للإمارات العربية المتحدة» بقلم الكاتب والأستاذ الجامعي الفرنسي جان-بيير فيليو، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العلوم السياسية في باريس (Sciences Po).
اشتهر فيليو بكتاباته الحادة حول قضايا الشرق الأوسط، خاصة في ملفات ما بعد الثورات العربية، وله مؤلفات مرجعية تناولت سياسات الغرب تجاه العالم العربي، وقد عُرف بمواقفه النقدية للحروب الأمريكية في المنطقة، ودعمه النسبي لحركات التغيير الديمقراطي.
لكن اللافت في مقاله اليوم، رغم قوته التحليلية وكشفه لتفاصيل التدخلات الإماراتية في ليبيا واليمن والسودان، أنه تغاضى بشكل مدهش – وربما مقصود – عن الدور الذي لعبته الإمارات في مصر، سواء في دعم الانقلاب العسكري على أول رئيس منتخب عام 2013، أو في ما تبعه من تمويل سياسات الاستبداد، والتدخل في مفاصل الاقتصاد المصري، بصفقات لم تكن دائمًا لصالح المصريين، بل قد تكون مُجحفة ومُخِلّة بالأمن القومي المصري، وتنذر بتحوّل الدولة إلى رهينة لشروط قاسية لمستقبل غامض.
النص الكامل المترجم لمقال لوموند
وُصفت الإمارات العربية المتحدة في غير مناسبة، بأنها «أسبرطة الشرق الأوسط»، لما تتبعه منذ أكثر من عقد من سياسة خارجية هجومية ومفرطة في عسْكرتها. هذه السياسة – التي تحمل توقيع ولي عهد أبو ظبي السابق ورئيس الدولة الحالي محمد بن زايد تأسست على عداء مرضي وممنهج لما يُسمى بالربيع العربي، تلك اللحظة الشعبية التي هزّت عروش الاستبداد عام 2011.
ورغم انسجام هذه السياسة تحت راية الثورة المضادة، فإنها تسهم في تمزيق الكيانات العربية، عبر دعم الإمارات لحركات انفصالية وتيارات مسلحة تسعى لتقويض الدولة المركزية، بدل إعادة بنائها حتى ضمن هندسة استبدادية.
ليبيا: أرض التجربة الأولى
عقب الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في سبتمبر 2011، راهنت أبو ظبي على خليفة حفتر الحاكم العسكري السابق لطبرق، الذي انشق إلى الولايات المتحدة قبل أن يعود كلاعب عسكري بعد الثورة.
لم تكتفِ الإمارات بدعمه، بل حفّزته على شن حرب أهلية جديدة في 2014، وشاركت طائراتها فعليًا في قصف طرابلس بعد أشهر. ورغم فشل قواته في السيطرة على العاصمة، فقد أدى هذا إلى تقسيم ليبيا بين حكومتين: واحدة شرعية في الغرب، وأخرى تابعة له في الشرق.
في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة استمرّت أبو ظبي في تسليح حفتر، ومن بين ما تلقّاه طائرات هليكوبتر بيلاروسية، ما يعكس حجم التورّط. عام 2019، شجّعته الإمارات على شنّ حرب جديدة، زادت البلاد انقسامًا وأدّت إلى ارتماء حكومة طرابلس في حضن تركيا ورغم فشل رهاناته، قرر محمد بن زايد استخدام منطقة بنغازي كموقع لتوسيع التعاون العسكري مع روسيا
بعد سقوط الأسد في سوريا أواخر 2024، نقلت روسيا بعض مواقعها العسكرية إلى الشرق الليبي، خاصة قاعدة “مَعَاطِن السَّرَّة” الجوية، بدعم إماراتي واضح، في خطوة تعمّق التحالف الإماراتي الروسي.
اليمن: عدن كعاصمة بديلة للانفصال
في السودان، كانت الإمارات من أبرز اللاعبين في تغذية الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وقد أُشير إلى تورّطها في تقديم دعم عسكري ولوجستي غير مباشر للدعم السريع، ما أدى إلى تفاقم الحرب الأهلية وتعطيل أي أفق سياسي أو مدني.
في اليمن، تجاوزت الإمارات غطاء التحالف العربي، ودعمت علنًا المجلس الانتقالي الجنوبي – تيار انفصالي يسعى لإحياء دولة اليمن الجنوبي السابقة. بذلك، لم يكن الهدف محاربة الحوثيين بقدر ما كان إعادة رسم خريطة اليمن لصالح مشروع انفصالي جنوبًا. واستثمرت الإمارات في تسليح وتدريب المليشيات، ما أدى إلى تهميش الحكومة الشرعية وتثبيت واقع سياسي منفصل في عدن.
السودان: حرب الوكالة بأدوات محلية
ومثلما فعلت في ليبيا واليمن، استثمرت أبو ظبي في الانقسامات، ساعية لبناء نفوذ داخل كيانات مسلحة ومُفكّكة، بدل دعم استقرار الدولة المركزية.
خاتمة لوموند:
مشروع تفتيتي تحت ستار الواقعية
يرى الكاتب أن ما تصفه الإمارات بأنه “نهج واقعي لمحاربة الإرهاب” ليس إلا مشروعًا تفكيكيًا للعالم العربي، يضعف الدول الوطنية ويعزز سلطة أمراء الحرب والمليشيات. وبينما تكسب الإمارات دعمًا ظرفيًا من بعض القوى الدولية، إلا أن النتائج بعيدة المدى تُنذر بإقليم هشّ، منقسم، تُغذّيه أبو ظبي بلا تكلفة أمنية تُذكر على أرضها، لكنها تنقل الفوضى إلى أراضي الآخرين