مصر

حزب غد الثورة يُعلق على انسحاب مصر من مناورات الجزائر: التباس تكتيكي وارتباك استراتيجي

تابع حزب غد الثورة الليبرالي المصري ببالغ القلق والانتباه التطورات المتصلة بانسحاب جمهورية مصر العربية من مناورات “شمال إفريقيا 3”، التي كان من المزمع عقدها في الجزائر خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو الجاري، بمشاركة عدد من الدول الإفريقية، على رأسها الجزائر، مالي، النيجر، وجبهة البوليساريو التي يُعد وجودها في هذه المناورة السبب المباشر لإعلان الانسحاب المصري.

وقال الحزب في بيان إنّ موقف مصر المبدئي الرافض للاعتراف بأي كيان انفصالي يُعد التزامًا تاريخيًا وسياسيًا مشروعًا يتسق مع قواعد القانون الدولي ومبادئ السياسة الخارجية المصرية التقليدية، خاصةً في دعم وحدة الأراضي المغربية. إلا أنّ ما يثير علامات استفهام كبرى، هو تأخر هذا الموقف حتى بعد إعلان المشاركة رسميًا، مما يُفقده الكثير من زخمه السياسي وفاعليته الدبلوماسية، ويضعه في خانة الانفعال لا الفعل، والردّ لا المبادرة.

واضاف الحزب إن المعلومات المتداولة تشير إلى أن القاهرة قد تلقت دعوة رسمية منذ مارس الماضي للمشاركة في المناورات، وكان من المعروف والمُعلن وقتها أنّ البوليساريو ستكون من بين الأطراف المشاركة، ما يجعل قرار الانسحاب بعد شهرين من القبول، قرارًا متأخرًا يُظهر غياب التنسيق بين المؤسستين السياسية والعسكرية، ويطرح أسئلة جوهرية حول طريقة إدارة الملف العسكري الخارجي.

وجاء تعليق الحزب كالآتي:

وفق تقديرات تحليلية عدة، فإن هذا القرار قد لا يكون خاليًا من تأثيرات غير مرئية لضغوط إقليمية مصدرها أبوظبي وتل أبيب وباريس، حيث تتقاطع المصالح بين هذه الأطراف الثلاثة في إضعاف المحور الجزائري – التونسي – المالي، وتعزيز الاصطفاف خلف المغرب، الحليف المشترك للدول الثلاث في سياقات أمنية وعسكرية متشابكة، خاصة بعد انخراط الرباط في اتفاقيات دفاعية مع إسرائيل، واستثمارات مشتركة مع الإمارات في ملفات حساسة.

إنّ الجزائر من جانبها قد تعتبر الخطوة المصرية خرقًا غير معلنٍ لبروتوكولات الشراكة العسكرية الإقليمية، وقد ينعكس ذلك توترًا مكتومًا أو معلنًا في العلاقات الثنائية، لا سيّما أنّ الجزائر تنظر إلى البوليساريو باعتبارها طرفًا ثابتًا في عقيدتها الإقليمية لا يمكن التنازل عنه. وهذا بدوره يُهدّد تماسك ما تبقى من الدور المصري في إفريقيا، خاصة في ظل انحسار النفوذ المصري لصالح قوى إقليمية منافسة .

من الناحية العسكرية، يُعد الانسحاب المصري تفويتًا لفرصة نادرة لتطوير التفاهمات العملياتية والتكتيكية مع الجيوش الإفريقية، خاصة في ظل التحديات الأمنية العميقة في منطقة الساحل والصحراء، وانتشار الجماعات المسلحة العابرة للحدود، ما يُفقد الجيش المصري نافذة إقليمية ضرورية لفهم أنماط التهديدات المستجدة.

كما أن هذا القرار قد يُضعف موقف مصر داخل “آلية الدفاع الإفريقي المشترك” التي تُبنى تدريجيًا لمواجهة التحديات العابرة للحدود، في ظل عودة التوترات شرق القارة (القرن الإفريقي)، وتنامي النزاعات في منطقة الساحل والوسط.

في ضوء ما سبق، يُؤكد حزبغدالثورة أن الموقف المصري، وإنْ كان صحيحًا في جوهره من حيث رفض الاعتراف بالبوليساريو، إلا أنه جاء متأخرًا ومفتقدًا للحسم الاستراتيجي، ما جعله يفتح أبواب التفسير والتأويل، ويمنح خصوم مصر فرصة التشكيك في قدرتها على الإمساك بزمام المبادرة.

ويُطالب الحزب بإجراء مراجعة شاملة لآليات صناعة القرار الاستراتيجي العسكري المصري الخارجي، مع ضرورة تعزيز التنسيق بين الخارجية والدفاع والمخابرات العامة، ضمانًا لاتساق السياسات وحُسن إدارتها بما يخدم المصلحة القومية المصرية لا المصالح الظرفية أو الإملاءات الإقليمية.

وختامًا، فإن مصر القوية هي التي تصنع قرارها السيادي وفق بوصلتها الخاصة، لا وفق ضغوط الآخرين، وهي التي تنسحب حين يجب ألا تشارك، لا حين تُصبح مشاركتها ورقة بيد خصومها، ومحل تحليلهم وسخريتهم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى