
تضيق المسافات وتتقارب بشدة ما بين مصر الرسمية وحزب النور السلفي.
انظروا معي لمشروع قانون ” تنظيم الفتوى “، والذي ذهب لمجلس النواب وما بين وذهابه واقراره مرورًا بلجنته المشتركة مسافة السكة، فما بين مقر الجلسة العامة واللجنة المشتركة والعودة بمقر مجلس النواب بوسط البلد – بلاش حد يسأل ليه المجلس لا ينعقد بمقره الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، فتلك قصة هدامة أخرى – أرسلت الحكومة مشروع قانون تنظيم الفتوى لمجلس النواب بتاريخ 28 إبريل 2025، فأحاله رئيس المجلس للجنة مشتركة من لجنة الشئون الدينية والأوقاف، ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، بنفس اليوم.
عقدت اللجنة المشتركة برئاسة الشيخ على جمعة ٤ جلسات بيومي، 5 و6 مايو وأحالت تقريرها للمجلس الذي وضعه بجدول أعمال جلسة الأحد ١١ مايو، فناقشه من حيث المبدأ ولم تعطَ الكلمة إلا للموافقين، وحاولت نائبة واحدة إدخال بعض التعديلات، فلم يمرروا لها إلا تعديلات بسيطة لا تمس جوهر المشروع .
وافق المجلس على مشروع القانون ليحيله بعد ذلك رئيس الجمهورية ليصدره وينشر بالجريدة الرسمية، وتلبس مصر الرسمية عمة الحوزة العلمية.
وبعد ما الشعب المصري كله لبس الطرح وأصبحنا حتى غير قادرين على التعبير عن رفضنا لحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يشنه الصهاينة بمساعدة الامريكان على شعبنا الفلسطيني.
لبست مصر العمة الرسمية، واصبح عندنا حوزة علمية، وشوية شوية هنحتاج نعمل مصلحة تشخيص النظام بمهامها الفقهية المعروفة.
جاء مشروع القانون في ” 10 ” مواد منهم مادة الائحة التتفيذية، ومادة النشر، وبقية المواد تشتمل على التعريفات، وتشكيل لجنة أو لجان الفتوى الشرعية، وشروط من يتولى الإفتاء،ونظمت المادة ” 5 ” ترجيح رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف حال تعارضها مع فتوى لجنة الفتوى، بينما الزمت المادة ” 7 ” المؤسسات الصحفية والإعلامية، والمواقع الاليكترونية، ومواقع التواصل بعدم بث أية فتوى إلا اذا كانت صادرة من لجنة الفتوى الشرعية التي نظمها هذا القانون
عقوبة الحبس
وقررت المادة ” 8 ” عقوبة الحبس والغرامة لكل من يخالف أحكام هذا القانون ، وهذه المادة تتعارض مع مواد الدستور التي تحظر الحبس في قضايا الرأي وتمنع الحجر على حرية الرأي والتعبير كالمادة ” 71 ” من الدستور كما تخالف المادة ” 8 ” من المشروع – لن يكون قانونًا إلا بعد توقيع الرئيس ونشره بالجريدة الرسمية – تخالف القانون ” 180 ” لسنة 2018 الخاص بالصحافة والإعلام مر القانون من مجلس النواب دون أية معارضة،
وبينما نفتخر نحن – المسلمين – بما نسب للإمام الشافعي، المولود سنة ١٥٠ للهجرة عندما قال ” رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب “
أمسينا الآن – وبعد 1500 سنة نحبس لمجرد أن يقول أحدنا رأيًا يخالف لجنة الفتوى الشرعية وكمثال : يفتي الكثيرون بأن فوائد البنوك ربا وهي محرمة، بينما يفتي آخرون بأنها ليست ربا وهي جائزة، وكل منا يأخد ما يراه، لكن وبعد إصدار هذا القانون، فهو رأي أوحد وحيد ومن يخالفه، قد يُحبس، وقد تُشكل هذه اللجان من متشددين فتصدر فتاواهم ولا معقب عليهم، ومن يخالف هذه الفتاوى أو يفتي بغيرها فسيحبس بالمادة ” 8 ” من هذا القانون الخطير ثم هل ستتحول ” لجنة الفتوى الشرعية ” لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تقود السعودية وتم الغاؤها ؟!
كيف تقارب النظام لهذا الحد مع حزب النور السلفي؟! نحن جميعًا نعلم السماح لهذا الحزب بالعمل بحرية في المساجد والقوافل ويحصل على مقاعد في البرلمان على الرغم من مخالفة ذلك للدستور ” أنا لسه بقول دستور!!! “
ولا يستطيع أحد أن يقول أن هذا مخالف للدستور كما نصمت جميعًا على كل مخالفات الدستور، كعدم إصدار قوانين المحليات وتطبيق الامركزية، وإصدار قوانين دور العبادة الموحد، وقانون عدم التمييز في مخالفات صريحة للدستور دون حساب
هل هذا المشروع بقانون الذي مُرر بليل، ولم يناقش له علاقة بتعديلات دستورية قادمة يبيع لنا فيها النظام بعض صور التدين الشكلي ليشتري تعديلات دستورية آخرى تجور على ما تبقى من الدستور، كما فعل الرئيس السادات الذي باع وهم المادة الثانية من الدستور بزيادة الف ولام لكل من ” مصدر ” و” رئيسي ” لتصبح المادة
“الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع” ويعدل معها مدتي الرئاسة لتصبح ” مدد “، وتمكن من شراء الإخوان والسلفيين ولكن الجماعة الإسلامية اغتالته، وحرمته من الاستمتاع بهذا التعديل، ولكن التعديل مكَّن مبارك من رقبة مصر والمصريين لأكثر من ثلاثين سنة عجاف، ولم يُخلع إلا بثورة!
فما خلفيات هذا القانون الغريب المريب ؟!
وماذا تريد الحكومة من ورائه؟! وما موضوع تنظيم الفتوى الذي ” نقح ” على الحكومة فجأة كالقضاء والقدر، كمشروع الايجار القديم ، فقدمتهما الحكومة في الايأم الأخيرة من دور الانعقاد الخامس والأخير من الفصل التشريعي الثاني ؟!
هل ستتحول مصر لدولة دينية لها لجنة فتوى شرعية، وهيئة لتشخيص النظام، وأخرى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
هي اذًا الجمهورية الجديدة !!