مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر يكتب : زيارة ترامب للخليج.. الأسباب المعلنة والخفية وأثرها على القضية الفلسطينية.

في سياق سياسي حساس، وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس إلى المملكة العربية السعودية في زيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج. إلا أن الزيارة تتجاوز الأهداف المعلنة والمتعلقة بالشراكة الاقتصادية والعسكرية، لتكشف عن أبعاد أكثر تعقيداً تتعلق بالقضية الفلسطينية، ودور أمريكا في استنزاف مقدرات الأمة العربية والإسلامية، وأثر ذلك على المخطط الصهيوني المسيحي لتحقيق مشروع “الشرق الأوسط الكبير”.

“الأسباب المعلنة للزيارة”
1.⁠ ⁠تعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية: زيارة ترامب تأتي في وقت حساس يعكس رغبة أمريكية في تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج، حيث ستشهد الزيارة توقيع اتفاقيات ضخمة تشمل صفقات تسليح بقيمة تصل إلى مئات المليارات من الدولارات. هذا التعاون يهدف إلى تعزيز الجبهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، خاصة في مجالات النفط والطاقة والتكنولوجيا.
كذلك، يتوقع أن تشمل الزيارة تعزيز التعاون العسكري لمكافحة الإرهاب وتعميق العلاقات العسكرية بين دول الخليج والولايات المتحدة.

2.⁠ ⁠التعاون الاستراتيجي في مواجهة إيران: قضية إيران تعد واحدة من النقاط الرئيسية في هذه الزيارة. الولايات المتحدة تسعى لدعم دول الخليج في مواجهة التوسع الإيراني في المنطقة، والتنسيق في قضايا الأمن الإقليمي، خاصة في العراق وسوريا.

الأسباب غير المعلنة (الخلفية):
1.⁠ ⁠دعم “صفقة القرن” وتصفية القضية الفلسطينية: زيارة ترامب إلى الخليج تأتي في سياق استراتيجي يشمل تنفيذ “صفقة القرن” التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. ترامب، الذي عمل على تعزيز العلاقات بين بعض دول الخليج وإسرائيل، يسعى الآن لجعل هذه الدول شريكًا في إعادة تشكيل المنطقة بطريقة تخدم المصالح الأمريكية والصهيونية. الزيارة تأتي في وقت حساس جدًا للقضية الفلسطينية، حيث تم تهميشها بشكل كبير من قبل الإدارة الأمريكية.
ترامب يعمل على خلق واقع جديد لا يقتصر فقط على التقارب بين الدول الخليجية وإسرائيل، بل يتضمن أيضًا اقتراحات لتقليص دور الفلسطينيين في المفاوضات الإقليمية وتجاهل حقوقهم في صفقات السلام.

2.⁠ ⁠الاستنزاف الاقتصادي للأمة: من خلال صفقات ضخمة لا تحقق مصلحة حقيقية للأمة العربية والإسلامية، فإن الزيارة تساهم في استنزاف الأموال الخليجية لصالح مشاريع أمريكية وصهيونية. هذا الاستنزاف لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يشمل أيضًا الموارد الطبيعية في المنطقة، حيث تعمل أمريكا على تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في الخليج بهدف تأمين مصالحها.
هذا التوجه يعكس “صفقة” غير متكافئة، حيث تتحمل الدول الخليجية تكاليف ضخمة دون أي ضمانات حقيقية لصالح قضايا الأمة، مثل القضية الفلسطينية أو الاستقرار الداخلي لهذه الدول.

“أثر الزيارة على القضية الفلسطينية”
1.⁠ ⁠تجاهل حقوق الفلسطينيين: في الوقت الذي يتصاعد فيه الوضع الفلسطيني، تضع إدارة ترامب القضية الفلسطينية في إطار ثانوي، حيث تركز الزيارة على قضايا أمنية واقتصادية بعيدة عن جوهر النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. الزيارة تشير إلى توجه أمريكي تجاه تصفية القضية الفلسطينية عبر دعم الانقسام الداخلي الفلسطيني وتهميش حقوق اللاجئين الفلسطينيين والقدس.
من خلال التعامل مع بعض الدول العربية كأدوات لتحقيق أجندات أمريكية وإسرائيلية، تسهم الزيارة في تعزيز العزلة الفلسطينية داخل العالم العربي، مما يجعل التفاوض على حقوق الفلسطينيين أكثر صعوبة.

2.⁠ ⁠تسريع التطبيع العربي الإسرائيلي: جزء من خطة ترامب هو دفع دول الخليج للتطبيع مع إسرائيل في إطار “صفقة القرن”، وهذا من شأنه أن يفتح أبواب العلاقات العلنية بين بعض هذه الدول وإسرائيل. هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق حلم الصهاينة في تطبيع علاقاتهم مع الدول العربية، مما يساهم في إضعاف التضامن العربي في دعم القضية الفلسطينية.

“دور الزيارة في دعم المخطط الصهيوني المسيحي”
1.⁠ ⁠التحالف الأمريكي الصهيوني المسيحي: الزيارة تأتي في سياق تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة والقوى الصهيونية المسيحية التي تؤمن بنهاية العالم على يد إسرائيل. هذه القوى تدفع باتجاه إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما يُترجم في شكل مشاريع اقتصادية وأمنية تركز على إعادة ترتيب الشرق الأوسط.
مع تزايد تأثير اللوبي الصهيوني المسيحي في السياسة الأمريكية، تسهم الزيارة في تمكين هذه القوى من تنفيذ أجندتها التي تهدف إلى تغيير خريطة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل.

2.⁠ ⁠الشرق الأوسط الكبير: المخطط الصهيوني المسيحي لتشكيل “الشرق الأوسط الكبير” يتم من خلال إعادة تقسيم المنطقة بما يخدم مصالح القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل. الزيارة تدعم هذا المخطط من خلال تعزيز التعاون العسكري مع دول الخليج، وتوسيع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وهو ما يساهم في إضعاف الدول العربية وتحجيم قدراتها على مواجهة المشاريع الغربية والصهيونية.

“استنتاج”
زيارة ترامب الحالية إلى الخليج تتجاوز كونها حدثًا دبلوماسيًا عاديًا. هي جزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى تحقيق مصالح أمريكية وصهيونية في المنطقة. من خلال دعم “صفقة القرن”، استنزاف الأموال الخليجية في مشاريع غير مفيدة للأمة العربية، وتعزيز التطبيع مع إسرائيل، تساهم الزيارة في تصفية القضية الفلسطينية، وتغيير واقع المنطقة بشكل يتوافق مع المخطط الأمريكي- الصهيوني. هذه الزيارة تفتح أبوابًا جديدة نحو تشكيل شرق أوسط جديد يسعى إلى تحقيق الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى