نتنياهو يلوّح بالاستغناء عن المساعدات الأمنية الأميركية: خطوة جديدة تُعمّق الفجوة مع واشنطن

أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع لجنة الأمن والخارجية في الكنيست رغبته في تقليص الاعتماد على التمويل العسكري الأميركي تدريجيًا، والبالغ نحو 4 مليارات دولار سنويًا.
خلفية جاء تصريح نتنياهو في وقت يتصاعد فيه التوتر بينه وبين إدارة الرئيس الأميركي، وسط تقارير عن خلافات حادة بشأن ملفات إقليمية ودولية. وتُعد هذه المرة الأولى التي يُلمِّح فيها رئيس حكومة إسرائيلي إلى إمكانية التخلّي عن المساعدات الأمنية الأميركية، بعد أن تخلّت الحكومة الإسرائيلية قبل سنوات عن المساعدات الاقتصادية الأميركية.
تفاصيل التصريح أفادت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، نقلًا عن مصادر حضرت الجلسة المغلقة، أنّ نتنياهو قال: «نحصل على نحو 4 مليارات دولار سنويًا لشراء السلاح، وأعتقد أننا سنتجه إلى الاستغناء عنها، كما فعلنا مع المساعدات الاقتصادية». ولم يقدّم نتنياهو خلال الاجتماع شرحًا مفصّلاً لدوافعه أو الجدول الزمني لتنفيذ الخطة، إلا أن مراقبين يَرون في هذه الخطوة رسالة مزدوجة للداخل والخارج.
أبعاد داخلية وخارجية
- داخليًا، يسعى نتنياهو إلى تعزيز صورته لدى القوى اليمينية المتشددة التي تُطالب بفكّ الارتباط عن الضغوط السياسية الأميركية، واستعادة «حرية القرار» في الملفات الأمنية والعسكرية.
- خارجيًا، تُشكّل التصريحات ورقة ضغط على الإدارة الأميركية، في ظل المباحثات الجارية بشأن ملفات الاتفاق النووي الإيراني وتوسيع التعاون الدفاعي في الشرق الأوسط.
تداعيات محتملة • قد تُسفر الخطوة عن إعادة صياغة أولويات الموازنة الدفاعية الإسرائيلية، مع زيادة الاعتماد على الصناعات المحلية.
• من المرجّح أن تُثير التصريحات نقاشات داخل الكونغرس الأميركي حول مستقبل الدعم العسكري لإسرائيل، ولا سيّما في أوساط المشرّعين الذين يربطون المساعدات بشروط سياسية.
• أي انسحاب تدريجي من المساعدات قد يدفع إسرائيل إلى البحث عن شراكات تسليحية جديدة مع دول أخرى، ما قد يُعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية.
اقتباسات الدكتور هاني الدالي، محلّل سياسي وخبير في الشؤون الإسرائيلية:
«تصريحات نتنياهو موجّهة بالأساس للجمهور الإسرائيلي، خصوصًا القاعدة اليمينية التي ترى في الاعتماد على واشنطن قيدًا استراتيجيًا. لكن تنفيذها فعليًا يتطلّب موازنة ضخمة وقد يُعرّض العلاقات مع الولايات المتحدة لاختبارات غير مسبوقة».
البروفسور ليـئا بن مور، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة تل أبيب:
«لا يمكن لإسرائيل في الوقت الراهن تعويض الفجوة التي سيخلّفها وقف المساعدات الأميركية من الناحية التقنية واللوجستية. لذا قد يكون تصريح نتنياهو مجرّد ورقة ضغط سياسية لا أكثر».
وأشار إلى أن التصريح يحمل أيضًا رسالة ضغط إلى واشنطن، مفادها أن “إسرائيل قادرة على تقليص اعتمادها على الدعم الأميركي”.
وأضاف أن العلاقة بين الطرفين “أعمق من مجرد دعم مالي”، إذ تقوم على شراكات استراتيجية واستخباراتية وتعاون صناعي عسكري طويل الأمد. ولفت إلى أن حصول إسرائيل على التكنولوجيا الأميركية المتقدمة، مثل طائرات F-35 والمكونات العسكرية الحساسة، يُعدّ ركيزة لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة، متسائلًا عن مدى واقعية سيناريو وقف الدعم بشكل مفاجئ.
وأوضح الدالي أن أي محاولة إسرائيلية للاستغناء عن الدعم الأميركي ستواجه تحديات كبيرة، من بينها تعويض الذخائر الدقيقة والأنظمة الدفاعية، وصعوبة تصنيع البدائل محليًا في وقت قصير. وشدّد على أن “إسرائيل وُجدت في المنطقة كقلعة متقدمة لخدمة المصالح الأميركية والغربية”، وبالتالي فإن ارتباطها العضوي بواشنطن ليس مجرد خيار سياسي، بل جزء من بنيتها الاستراتيجية.
رؤية أمنية: استحالة الاستغناء الكامل من جهته، أكد الخبير الأمني والعسكري رامي أبو زبيدة أن تصريح نتنياهو لا يمكن فصله عن التوتر مع الإدارة الأميركية، ولا عن الضغوط المتزايدة داخل واشنطن لدفع إسرائيل نحو تغييرات سياسية وحقوقية. واعتبر أن ما صدر عن نتنياهو “حديث رمزي أو مناورة سياسية يحاول من خلالها الظهور بمظهر الدولة القادرة على الاستقلال، في ظل الانتقادات الواسعة التي تواجهها حكومته”.
ونوّه أبو زبيدة إلى أن البنية العسكرية الإسرائيلية لا تزال تعتمد بشكل جوهري على الدعم الأميركي، لا سيما في مجال الذخائر الموجهة والأنظمة الدفاعية مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود، مشيرًا إلى أن إسرائيل غير قادرة على تعويض هذا الدعم، لا على المدى القصير ولا المتوسط ولا حتى البعيد، من دون دفع أثمان استراتيجية واقتصادية باهظة.
وأضاف أن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل ميزة تكنولوجية نوعية لا تُمنح لأي دولة أخرى، مثل طائرات F-35، إلى جانب تمويل مشترك للأبحاث الدفاعية ونظم الاعتراض، وتخزين استراتيجي للأسلحة داخل الأراضي المحتلة. وبالتالي، فإن أي محاولة لاستبدال هذا الدعم بدول أخرى أو عبر الصناعات المحلية ستواجه عقبات كبيرة من حيث الكلفة والتكنولوجيا والمخزون الاستراتيجي.
وأشار أبو زبيدة إلى أن أي تقليص أو توقف في الدعم الأميركي سيؤثر تدريجيًا على موازين القوى الإقليمية، وسينعكس سلبًا على قدرة إسرائيل على خوض حروب متعددة الجبهات، خصوصًا ضد قوى مثل المقاومة الفلسطينية أو إيران أو حزب الله.
كما أن هذا الفراغ، وفق رأيه، قد تستغله قوى إقليمية مثل روسيا أو الصين لتعميق تعاونها مع دول عربية وإيران.
ورأى أن هذا التصريح قد يشجع المقاومة على مواصلة بناء قدراتها، تحضيرًا لمعركة طويلة النفس، في ظل رهانها على إنهاك الاحتلال استراتيجيًا.
تكتيك لا استراتيجية ويُجمع الخبيران على أن ما صرّح به نتنياهو هو جزء من حرب نفسية ودبلوماسية، أكثر من كونه خطة تنفيذية قابلة للتطبيق. فرغم أن التصريح قد يحمل رسائل تكتيكية موجهة إلى الداخل والخارج، فإن ترجمته إلى واقع ستُحدث تحولًا خطيرًا في جاهزية الجيش الإسرائيلي، وستؤثر على مبدأ التفوق النوعي المدعوم أميركيًا، ما قد يُغيّر معادلات الردع في المنطقة.