أخبار العالم

إسطنبول تستضيف قمة روسيا وأوكرانيا في 15 مايو، مما يعزز موقف أنقرة المحايد.

جدّدت تركيا تأكيد دورها المتوازن بإعلان استضافة جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول يوم 15 مايو، خطوة يراها مراقبون تمهيداً لوقف شامل لإطلاق النار وإرساء سلام دائم.

تأتي هذه المبادرة استجابة لاقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستئناف الحوار «من دون شروط مسبقة» بعد توقف استمر منذ عام 2022، وإثر إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده لتهيئة كل الظروف اللازمة لتحقيق اختراق دبلوماسي يوقف الحرب الدائرة منذ فبراير 2022.

شهدت إسطنبول في مارس 2022 عدة جولات من المحادثات التي مهّدت آنذاك لتفاهمات أولية، إلا أن الصراع عاد إلى التصعيد لاحقاً. ويرى خبراء أن تجدد اللقاء على ضفاف البوسفور هذه المرة يحمل فرصاً أكبر بحكم تغير المعطيات الميدانية وزخم الوساطة التركية الذي حصد ثقة الطرفين والمجتمع الدولي.

تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والشريك التجاري لكلا البلدين، نجحت في الحفاظ على توازن حساس؛ إذ رفضت الاعتراف بضم أراضٍ أوكرانية، وفي الوقت نفسه أبقت قنوات الحوار مفتوحة مع موسكو، ما جعلها الوسيط «الأكثر قبولاً» لدى الطرفين بحسب مراقبين. ويعد الموقع الجغرافي لإسطنبول، الرابط بين أوروبا وآسيا، عاملاً إضافياً يعزز جاذبيتها كمسرح للمفاوضات.

تقول دوائر دبلوماسية إن جدول أعمال اللقاء سيركّز في المرحلة الأولى على تثبيت وقف إطلاق نار فوري، وفتح ممرات إنسانية آمنة، ثم الانتقال إلى مناقشة ملفات الانسحاب العسكري وضمانات الأمن المشترك وترتيبات السيادة على المدى البعيد. وتؤكد مصادر مطلعة أن أنقرة أعدّت حزمة مقترحات تراعي شواغل موسكو المتعلقة بالتوسع العسكري الغربي، وفي الوقت ذاته تحافظ على وحدة الأراضي الأوكرانية وفق القانون الدولي.

الخبراء العرب يعتبرون هذه الخطوة «اختباراً حقيقياً» لنجاح الدبلوماسية التركية في تسوية إحدى أعقد أزمات العالم المعاصر، ويرون أن نجاحها سيفتح الباب أمام أنقرة للاضطلاع بأدوار مماثلة في نزاعات إقليمية أخرى.

«قدرة تركيا على الجمع بين الطرفين ليست حدثاً بروتوكولياً فحسب، بل مؤشر على أن توازنها الاستراتيجي يمكن أن يتحول إلى أدوات عملية لصناعة السلام» وفق ما أفاد به مسؤولون أتراك مطلعون على ترتيبات القمة.

تصريحات الخبراء

الدكتور علي باكير، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة قطر:
«مجرد انعقاد هذه الجولة تطور إيجابي وموضع ترحيب كبير بعد حالة المراوحة التي أصابت النزاع. رصيد تركيا الإيجابي لدى الطرفين يجعلها قادرة ليس فقط على الاستضافة بل على تسهيل الوصول إلى حل نهائي».

الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري:
«المفاوضات خطوة ضرورية لوقف حمّام الدم. أول ثمار متوقعة هي وقف إطلاق نار شامل، ما يمنح الدبلوماسية التركية دفعة قوية ويعزّز قدرتها على نشر السلام في مناطق ملتهبة أخرى».

الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي:
«اختيار إسطنبول يعكس الثقة العالية بالشريك التركي وبالرئيس أردوغان الذي احتفظ بموقف أخلاقي وبطولي لدى البلدين. تدخّل أنقرة لا يقف عند حدود الاستضافة، بل يمكن أن يحفّز محادثات جوهرية تلامس صلب الأزمة».

أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر قال إنه “سبق لتركيا استضافت جولات سابقة من المفاوضات بين الطرفين، وتوصلت إلى نتائج مهمة، كان أبرزها اتفاق القمح الذي ساعد في تحقيق استقرار بالأمن الغذائي عالميا، وليس فقط على مستوى المنطقة”.

وزاد: “تركيا بما لديها من رصيد إيجابي لدى الطرفين، قادرة على أن تخطو خطوة إلى الأمام، ليس بالاستضافة فقط، وإنما بحل الأزمة”.

وأشار إلى أن “استضافة تركيا للمفاوضات يأتي في ظل مساعي أو تنافس أمريكي لمحاولة حل الأزمة، وهذا في حد ذاته تعبير عن موقع ودور تركيا ليس كقوة إقليمية فقط، وإنما كلاعب دولي فاعل في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار”.

وثمنت الأمم المتحدة دور تركيا في إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، حيث قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، للأناضول الثلاثاء: “نثمن دائمًا الدور الذي لعبته تركيا في محاولة إنهاء هذا الصراع”.

وأضاف: “نريد أن ينتهي الصراع وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والقانون الدولي، ونحن نواصل دعم كل الجهود المبذولة لتحقيق هذه الغاية”.

** ظروف جديدة من ناحيته، قال الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري: “لطالما كانت تركيا وسيطا ذو ثقة بين البلدين، حيث تعتبر أوكرانيا وروسيا تركيا من البلدان الموثوقة لإدارة المفاوضات بينهما”.

وأضاف للأناضول: “لاحظنا ذلك في صفقة الحبوب التي أبرمت بين البلدين، وأسفرت عن تجنب كارثة غذائية للعالم أجمع، وخاصة الدول الفقيرة”.

ووقع البلدان اتفاقية بإسطنبول في يوليو/ تموز 2022، بوساطة تركيا والأمم المتحدة لشحن الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وللمساعدة في معالجة أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ومددت الاتفاقية 3 مرات قبل أن تعلق موسكو العمل بها في 17 يوليو/تموز 2023.

وقال الكندوري: “لست ممن يفرطون في التفاؤل، وأقول إن هذه المفاوضات خطوة ممتازة وضرورية لوقف حمام الدم بين البلدين. وأعتقد أن أول نتائج المفاوضات هي وقف إطلاق نار بين البلدين، ولكن ليس نهاية الحرب”.

وأشار إلى أن المفاوضات “ربما تأخذ وقتا طويلا إلى إحلال السلام بين البلدين، لكن أولى الثمار هو وقف إطلاق النار”.

وقال: “باعتقادي روسيا وصلت إلى قناعة بأن ما استطاعت أن تأخذه من أراضي أوكرانية كافي، وتريد إنهاء الحرب”.

وأكمل: “هناك خوف روسي من عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي ستؤثر على الاقتصاد الروسي بشكل بالغ. وأوكرانيا تريد أن تدخل في المفاوضات وهي ما تزال تتلقى دعما سياسيا وعسكريا من الاتحاد الأوروبي”.

** دبلوماسية تركية ناجحة وقال الكندوري إن عقد المفاوضات “يعطي دفعة كبيرة لنجاح الدبلوماسية التركية، وتعزيز قدرتها على إحلال السلام في بقع ملتهبة كثيرة من العالم”.

وتابع: “هذا يجعلنا نشعر بالاطمئنان بأن المفاوضات ربما ستبرم اتفاقا ينهي الحرب التي اندلعت قبل ثلاث سنوات”.

وزاد: “تركيا في السنوات الأخيرة بدأت تظهر كلاعب دولي مهم جدا، وحققت الدبلوماسية التركية نجاحات باهرة في عدة دول بالمنطقة، لا سيما الصراع في سوريا والذي حسم لصالح الشعب السوري”.

وأضاف: “مواقف تركيا البناءة والداعمة لإحلال السلام في مناطق عديدة، يجعلها محل ثقة دولية. وطرفي النزاع روسيا وأوكرانيا يشعران بأن تركيا إلى جانبها وتريد إحلال السلام فيهما”.

الباحث العراقي قال إن نجاح المفاوضات يعد “إضافة إلى تراكم النجاحات الدبلوماسية التركية التي يجعلها قادرة على المساهمة في حل العديد من المشاكل على المستويين الإقليمي والدولي”.

وتابع: “إسطنبول لها مكانة سياسية كونها مكان التقاء أصحاب القرار في العالم، وموقعها الجغرافي يزيد من أهميتها؛ فهي قريبة من الشرق الأوسط المليء بالأزمات، وقريبة من أصحاب القرار في أوروبا غربا، وروسيا شرقا”.

** ثقة بالرئيس أردوغان من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي إن “المحفزات التي كانت تقوي الحرب في أوكرانيا عام 2022 لم تعد متوفرة الآن، في ظل حالة الانقسام داخل المعسكر الغربي بين الولايات المتحدة وأوروبا، وسط رغبة أمريكية حقيقية في إنهاء الحرب وتركيزها بشكل أساسي على عقد صفقات ثنائية مع أوكرانيا”.

وأضاف: “النجاح سيتوقف على قدرة المحادثات أو القمة على دفع البلدين للذهاب قدما باتجاه السلام”.

وبخصوص اختيار إسطنبول مكانا لانعقاد المفاوضات، قال التميمي: “الأمر يعود إلى حجم الثقة المتبادل. فلا أعتقد أن روسيا وأوكرانيا يحتاجون إلى مقر مريح لعقد المفاوضات، فالمعيار الأول لاختيار إسطنبول هو الثقة بالشريك التركي والثقة بالرئيس أردوغان الذي احتفظ بموقف أخلاقي وبطولي في نفس الوقت”.

وزاد للأناضول: “احتفظت تركيا بعلاقة جيدة مع روسيا، وبنت معها شراكات في زمن الحرب. وفي الحقيقة هذا الموقف يولد حالة من الامتنان لدى روسيا، ولدى الرئيس بوتين، وهناك أيضا شراكات مهمة جدا تجمع أوكرانيا بتركيا”.

وأكد التميمي أن “تدخلات الرئيس أردوغان يمكن أن تسهم في تحفيز محادثات على صلة بالحدث وليس مجرد استضافة القمة، فلتركيا مصلحة إستراتيجية من انتهاء الحرب”.

وختم قائلا: “تركيا تشارك البلدين المتصارعين الإطلالة على البحر الأسود، ولهم مصالح مشتركة فيه، وأمن المنطقة مهم جدا، خاصة وهناك اتفاقية دولية تحكم حتى أمن هذه المنطقة”.​​​​​​​

وتسمح معاهدة مونترو الموقعة عام 1936 بمرور السفن الحربية التابعة للدول غير المشاطئة للبحر الأسود من مضيقي الدردنيل والبوسفور، بشرط إشعار تركيا بالمرور قبل 15 يوما، والبقاء في البحر الأسود لمدة لا تتجاوز 21 يوما.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى