مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر..الشرق الأوسط على مفترق طرق.. اختراقات تكتيكية أم إعادة تشكيل كبرى؟

في الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث في الشرق الأوسط على نحو غير مسبوق، تبرز سلسلة من التحركات السياسية والاتصالات الإقليمية والدولية التي تبدو متفرقة ظاهريًا، لكنها تكشف في عمقها عن محاولة لإعادة صياغة مشهد المنطقة برمته، مع تغييب شبه كامل لقضية فلسطين كقضية مركزية.

“التحركات الأخيرة.. إشارات في ظاهرها تهدئة وفي باطنها إعادة هيكلة”.
الاشارة الأولى: اتصال أردوغان المفاجئ بـ”ترامب” لبحث رفع العقوبات، يتزامن مع لقاء بالفيديو كونفرنس مع “الشرع”،وترامب وبن سلمان في الوقت الذي يُشاع فيه عن زيارة مرتقبة للشرع إلى موسكو بدعوة من بوتين.
الثانية: لقاء مرتقب بين أردوغان وبوتين، ومبادرة لوقف الحرب في أوكرانيا.
الثالثة: مبادرة سعودية- إماراتية تحت مسمى “الكورنيش” لوقف الحرب الشاملة.
الرابعة: إعلان إماراتي مرتقب عن تهدئة مع إيران وخطوات لضبط إيقاع التصعيد بين الهند وباكستان.
الخامسة: وفد إسرائيلي متجه إلى قطر لبحث وقف الحرب في غزة، وسط صمت أمريكي لافت، وانشغال دولي بإعادة رسم التوازنات.

“تهميش فلسطين.. خطوة ضرورية للمشروع الصهيوني؟”. يأتي كل ذلك وسط غياب متعمد للقضية الفلسطينية عن طاولات البحث الحقيقية. هذا التهميش ليس عابرًا، بل هو جزء من رؤية صهيونية أوسع تهدف إلى:
1 – تجريد القضية من بعدها العربي والإسلامي.
2 – إحالتها إلى “ملف إنساني” قابل للإدارة وليس للحل السياسي.
3 – تحويل غزة إلى ملف تفاوضي بيد الوسطاء (قطر، مصر، تركيا)، بعيدًا عن مركز الصراع في القدس والضفة.

“السؤال الجوهري: ما الذي يُطبخ؟”.
بعيدًا عن السطح الهادئ نسبيًا للأحداث، يبدو أن “صفقة كبرى” تُهيأ، أو تشبه إلى حد بعيد المشهد الذي سبق اتفاقيات أوسلو أو كامب ديفيد، لكنها أوسع وأكثر تعقيدًا، وتنطوي على أبعاد تتعلق بتصفية قضايا إقليمية مزمنة، وعلى رأسها:
أولا: تطويع إيران ضمن منظومة إقليمية “منضبطة”.
ثانيا: إنهاء الملف الكردي عبر تفاهمات تركية- سورية- روسية.
ثالثا: إنهاء الحرب في غزة بطريقة تحفظ ماء وجه الاحتلال، وتضمن السيطرة الأمنية عبر قوى إقليمية.
رابعا: تقاسم الأدوار والنفوذ بين تركيا وروسيا وإيران والسعودية، بضمانة أمريكية- صينية صامتة.

“المرحلة المقبلة.. تطبيع موسّع مقابل تهدئة شاملة”
المتوقع أن نشهد:
(أ)- الإعلان عن اتفاقيات إقليمية جديدة تُبرم تحت عناوين “التنمية والاستقرار” و”مكافحة الإرهاب” و”التهدئة الاقتصادية”.
(ب) – تحركات تطبيعية غير تقليدية، تشمل ملفات ثقافية ورياضية وتجارية بين دول عربية و”إسرائيل”.
(ج) – تفكيك جبهات المقاومة سياسيًا عبر إغراءات إعادة الإعمار والوعود بالمشاركة في “رؤية جديدة للمنطقة”.

“ما هو غير المعلن؟”.
‏A – التمهيد لانسحاب أمريكي تدريجي من المنطقة لصالح وكلاء إقليميين أقوياء.
‏B – مشروع لإعادة تشكيل الحدود الناعمة على أسس طائفية واقتصادية لا قومية.
‏C – إعداد المسرح لمواجهة صينية-أمريكية عالمية من خلال تأمين الجبهات الهشة.

خاتمة: هل انتهى زمن فلسطين؟.
ليس بعد.. ما يجري هو محاولة لإنهاء فاعلية القضية الفلسطينية كقضية مقاومة، وتحويلها إلى ملف إداري. لكن الشعوب، ومراكز المقاومة التي لا تزال حرة، قد تعيد قلب الطاولة. المفتاح اليوم هو الوعي الاستراتيجي، وتكوين جبهة وازنة من القوى الحية الرافضة لهذا المسار الانبطاحي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى